التراقص اليومي لأساتذة التعليم الابتدائي la navette

الكاتب: مدونة معلمي وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
نبذة عن المقال: التراقص اليومي لأساتذة التعليم الابتدائي la navette الأسباب و النتائج و الحلول

التراقص اليومي لأساتذة التعليم الابتدائي la navette


la navette

رحلات يومية لا نهائية نحو مقرات العمل

ينطلق أساتذة التعليم الابتدائي كل صباح ومساء في رحلة شاقة من أجل الوصول إلى مقرات عملهم، هذه الرحلة تعرف ب "التراقص اليومي" أو "la navette ". هذه العملية ليست مجرد رحلة بسيطة من المنازل إلى مقرات العمل، بل هي رحلة خطيرة ومكلفة للأساتذة من جميع الجوانب. حيث تكلف الأساتذة مبالغا ليست بالقليلة بالإضافة إلى الجهد الجسدي والنفسي لهذه العملية.

يجد الأستاذ نفسه مضطرا للقيام بهذه الرحلة اليومية التي تمتد لسنوات طويلة وربما يصل معها الأستاذ إلى التقاعد. وذلك في ظل صعوبة الانتقال الى المؤسسات المتواجدة داخل المدن، وذلك لأسباب لا يتسع المجال لشرحها هنا. هذا التنقل اليومي يكون من مناطق الجذب أو من المدن باتجاه قرى نائية تفتقر لأدنى شروط الحياة الكريمة.

من هذا المنطق، قررنا كتابة هذا الموضوع لتبيان دوافع هذا التنقل اليومي لمن لا يفهمها، فما الذي يدفع إلى هذه الرحلة الشاقة وهل يمكن لهذه الرحلات أن تؤثر على جودة التعليم؟

عقوبة سموها التعيين

يتم تعيين الالاف من أساتذة التعليم الابتدائي بشكل سنوي في المغرب في المناطق التي خرج منها آخر أساتذة تم تعيينهم السنة الماضية. حيث يحصل الأساتذة الجدد دائما على أصعب المناطق النائية (باستثناء من استطاع منهم الالتحاق الى أماكن جيدة بطبيعة الحال). يهدف هذا التعيين إلى تغطية جميع المناطق النائية واستفادة تلاميذها من التعليم، ومع الوقت أصبح هذا التعيين عقابيا، حيث أن المناطق النائية في المغرب ليس ببعيدة فقط، بل هي كذلك قاحلة من حيث توفر مستلزمات العيش الكريم من بنيات تحتية أساسية، مثل الطرق المعبدة و الماء الصالح للشرب المعالج و الكهرباء و حتى شبكات الهاتف و الانترنت. دون الحديث عن وسائل التنقل العمومية التي تغيب في هذه المناطق، حيث يتم احتساب المسافات الى الفرعيات بواسطة عدد ساعات المشي أو التنقل عبر الحمير! وإلا فالأستاذ مطالب بأداء مبالغ خيالية ل "الخطاف" من أجل ايصاله الى هناك.

la navette

مقارنة مع أساتذة الأسلاك الأخرى.

مقابل هذا التعيين الصعب الذي يتعرض له أساتذة التعليم الابتدائي يحصل الأساتذة في الأسلاك الأخرى على ظروف أفضل نسبيا. حيث يتم تعيينهم غالبا في مراكز حضرية أو قروية كبيرة تتوفر فيها بعض الخدمات الأساسية مثل القرب من الأسواق الأسبوعية والمقاهي وشبكات الانترنيت. هذه التباين دفع الكثير من أساتذة الابتدائي الى المطالبة بالتعويض عن المناطق النائية والبعيدة، وهو الملف الذي لازال في أرشيف الوزارة.

لا يمكن الرفع من جودة التعليم دون الاهتمام بأساتذة التعليم الابتدائي خصوصا وأن الطفل في هذه المناطق النائية يفتح اعينه عليهم. بسبب غياب التعليم الأولي، دون نسيان بأن التلاميذ بالابتدائي يمضي مع أساتذة الابتدائي 6 سنوات من حياته، وهو ما يمثل عدد سنوات التمدرس بالإعدادي والثانوي معا.


صعوبة العيش في المناطق النائية


غياب السكنيات الإدارية

يضطر الكثير من رجال ونساء التعليم للقيام برحلات التراقص اليومي من منازلهم الى مقرات عملهم، بسبب غياب السكنيات الإدارية الخاصة بالأساتذة، خصوصا في المناطق النائية، التي تتواجد بها الفرعيات. وللإشارة وبعد سنوات كثيرة من تعيني فلازالت أستاذة بنفس الوحدة المدرسية التي عينت بها تستعمل القسم للنوم. في ظل غياب السكنيات الإدارية وغياب إمكانية كراء المنازل للأساتذة. و هو الأمر كذلك الذي يدفع فئة من الأساتذة الى التنقل من و إلى مقرات عملها.

مدرسة مغربية فوق الجبل

انقطاع الاتصالات:

في الكثير من القرى النائية بالمغرب تصبح شبكة الاتصالات ضعيفة، حيث يتعرض الأستاذ المقيم بمثل هذه المناطق إلى عزلة رقمية تمنع من الاطلاع على المستجدات التربوية والمستجدات الأخرى خارج الإطار التربوي.

بعد الخدمات:

يحتاج الأستاذ في بعض الأحيان إلى قطع مسافات طويلة على الأرجل في غياب وسيلة نقل، من أجل شراء احتياجاته الأساسية أو من أجل زيارة أقرب مستوصف طبي وهو الأمر الذي يضاعف معاناته في هذه المناطق.

رفض السكان المحليين:

ترفض فئة كبير من القرويين تأجير منازلهم وسط القرى للأساتذة، خصوصا الأساتذة العزاب أو المتزوجون الذين لم يحضروا معهم أسرتهم إلى هذه المناطق. يكون هذا الرفض نتيجة التحفظ الاجتماعي والديني والثقافي من العزاب.

في بعض المناطق كذلك يستغل بعض القرويين حاجة الأستاذ الملحة للسكن من أجل رفع أسعار الإيجار بشكل جنوني، خصوصا وأن هذه المنازل تكون غالبا مبنية بالطين والأحجار وغالبيتها لا تتوفر على مراحيض أو ربط بالماء الصالح للشرب.

تأثير التراقص اليومي المادي و النفسي على الأساتذة


الضغط الجسدي والنفسي: حياة على حافة الانهيار

يبدأ يوم الأستاذ في الرابعة أو الخامسة صباحًا للوصول إلى المدرسة في الوقت المحدد. بعد رحلة شاقة قد تمتد لساعات، يصل مرهقًا ليواجه تلاميذ ينتظرون منه النشاط والتركيز. يقول أستاذ من إقليم الحوز: "أشعر أنني أعيش حياتين: واحدة على الطريق، وأخرى في الفصل، وكلتاهما تُنهكانني". الإجهاد المزمن، آلام الظهر، واضطرابات النوم أصبحت جزءًا من حياة هؤلاء الأساتذة.

التكاليف المالية: عبء يتجاوز الراتب

يكلف التنقل اليومي ما بين 1500 إلى 3000 درهم شهريًا (حسب المسافة ووسيلة النقل)، وهو ما يمثل نسبة كبيرة من راتب أستاذ جديد (حوالي 5000-6000 درهم). لا تُقدم وزارة التربية الوطنية أي تعويضات لهذا التنقل، بينما تُخصص مبالغ لموظفين آخرين كالمفتشين (تصل إلى 4000 درهم شهريًا في بعض الحالات). هذا التناقض يُفاقم شعور الأساتذة بالظلم.

المخاطر على الطرقات: حياة معلقة بخيط

تتكرر حوادث السير بسبب التعب، الطرق السيئة، والضباب في المناطق الجبلية. في عام 2024، سُجلت الكثير من الحوادث التي أودت بحياة أو أصابت للأساتذة أثناء تنقلهم. كما يواجه الأساتذة توترات مع سائقي "الطاكسيات الكبيرة" الذين يرون في تنقلهم الخاص تهديدًا لأرباحهم، مما قد يصل إلى مشادات أو تهديدات.

استراتيجيات الأساتذة للتعامل مع مشاكل التراقص اليومي


يتعامل الأساتذة مع هذا الواقع بطرق مبتكرة:

  • التشارك في النقل:
 يتناوبون على قيادة سياراتهم أو يتقاسمون تكاليف الوقود، مما يخفف العبء المالي قليلاً.

  • تنظيم الوقت: 
يعتمدون على النوم المبكر وتقليل الأنشطة الاجتماعية للحفاظ على طاقتهم.

  • السعي للانتقال: 
يقضون سنوات في جمع "النقاط" ضمن نظام الحركة الانتقالية، آملين في الانتقال إلى مدينة أو قرية أقرب.

مقترحات لجعل حياة الأستاذ العملية مريحة

تحسين ظروف العمل في المناطق النائية

  1. بناء سكنيات وظيفية مزودة بمرافق أساسية (كهرباء، ماء، إنترنت).
  2. تعزيز البنية التحتية للطرق والمدارس لتسهيل الوصول والعمل.
  3. توفير حافلات مدرسية خاصة بالأساتذة في المناطق النائية.

التعويض عن العمل في المناطق النائية 

  1. تخصيص تعويض شهري للتنقل (مثل 1000-2000 درهم) بناءً على المسافة.
  2. تقديم حوافز للأساتذة العاملين في المناطق النائية، كزيادة في الأجرة أو تقليص سنوات الاستقرار المطلوبة قبل الانتقال.

إصلاح نظام الانتقال

  1. تفعيل نظام نقاط شفاف يعتمد على معايير واضحة (المسافة، سنوات الخدمة، الظروف العائلية) و ليس على الالتحاقات غير العادلة.
  2. السماح بالانتقال التلقائي بعد 3-5 سنوات من العمل في مناطق نائية.
  • خاتمة : 
لا يمكن لعاقل أن ينكر الأثر السلبي الذي يمكن لعملية التراقص اليومي أن تتركه في جسد و نفسية الأساتذة. دون أن نغفل الاثار السلبية لهذه العملية اليومية الدائمة على الآداء المهني للأستاذ، لذلك يجب ايجاد حلول بديلة أو على الأقل جعل هذه العملية مريحة ماديا و نفسيا للأساتذة الى أن تتبدل الظروف للأفضل.
التصنيفات

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

7774673206035171072

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث