استراتيجيات التفكير النقدي لدى التلاميذ داخل الأقسام
مرحبا بك في مدونة معلمي،
- مقدمة
من بين أهم المهارات التي يجب أن ترسيخها في التلاميذ وتدريبهم عليها، هي مهارة التفكير النقدي، وعندما نتحدث هنا عن التفكير النقدي فإننا نقصد مهارة اتخاذ القرارات الصحيحة وحل المشكلات الناتج عن تحليل المعلومات والتأكد منها بطرق مبتكرة.
المهارات المستقبلية لم تعد تعتمد على القراءة والكتابة وتعلم اللغات فقط، بل تجاوزت الأمر إلى ضرورة الحصول على مهارة التفكير النقدي والإبداعي لدى المتعلمين من أجل مواكبة سوق الشغل مستقبلا.
ماذا نقصد بالتفكير النقدي؟
نقصد بالتفكير النقدي مقدرة التلميذ على تحليل المعلومات المقدمة له تحليلا منطقيا وذلك من أجل الوصول إلى استنتاجات عقلانية ومنطقية صحيحة. يرتكز التفكير النقدي على عدة أركان نذكر منها:- القدرة على تحليل وتصنيف المعلومات؛
- القدرة على البرهنة والاستدلال؛
- القدرة على تقييم النتائج بناء على معايير منطقية؛
- حل المشكلات بطريقة منهجية ذكية.
ما أهمية نشر ثقافة التفكير النقدي بمؤسساتنا التعليمية؟
تحفيز الإبداع والابتكار
التفكير النقدي يدفع المتعلمين للبحث عن حلول جديدة ومبتكرة من أجل حل المشكلات وتجاوز الصعوبات التي تواجههم. بعيدا عن منطق التلقين الذي يعتمد على جعل الأستاذ مركزا داخل القسم والمتمكن الوحيد من المعرفة والتي يقدمها بسهولة. فالتفكير النقدي يدفع المتعلم إلى استعمال جميع حواسه وقدراته الذهنية من أجل حل مشكلة أمامه بالاعتماد على نفسه وعلى الأدوات الفكرية التي تعلمها.تعزيز مهارات حل المشكلات
بعد تعلم الطفل مهارات تحليل المعلومات من أجل الوصول إلى حل للمشكلات التي تطرح أمامه، يصبح مع الوقت بالتدريب أكثر قدرة على إيجاد الحلول المناسبة لكافة التحديات التي تواجهه سواء في المدرسة أو خارجها.تشجيع التعلم الذاتي
مهارة التفكير النقدي تدفع التلميذ إلى طرح الأسئلة والكثير منها، وتقوي فيهم الفضول المعرفي الذي يساعدهم على البحث عن المعلومات بأنفسهم وتحليلها وتمييز النافع منها من غيرها.تحسين مهارات التواصل
تتحسن مهارات التواصل لدى المتعلمين، من قبيل الحوار الهادف والنقاش الرزين والاستماع للآراء المختلفة ووضعها في ميزان المنطق، وذلك بعد تعلمهم التعبير عن أفكارهم وترتيبها بطريقة منطقية مدعمة بالحجج والبراهين القوية.دعم فرض النجاح في المسار الدراسي
تملك مهارة التفكير النقدي تزيد من فرص المتعلمين في النجاح في حياتهم الدراسية والمهنية. حيث يصبح المتعلم أكثر قابلية لاستعماله عقله ومنطقة من أجل اتخاذ القرارات، بعيدا عن العاطفة العمياء التي تؤدي في الكثير من الأحيان إلى الفشل.استراتيجيات ترسيخ التفكير النقدي لدى المتعلمين
طرح الأسئلة المفتوحة
من بين الاستراتيجيات التي تدفع التلميذ للتفكير قبل الإجابة هي استراتيجية السؤال المفتوحة، هذا السؤال يزيل إمكانية الجواب بنعم أو لا فقط وهو أمر سهل. بل يدفع التلميذ للتفكير بمنطق للبحث عن الجواب المفصل المدعوم بالتفسيرات والحجج ومن بين أدوات الاستفهام التي نستعملها لطرح السؤال المفتوح نذكر: لماذا (لماذا تحب قراءة القصص؟)، كيف (كيف يمكننا التعامل مع مخاطر الأنترنت؟)، ما رأيك...؟، بماذا تشعر...؟التعلم القائم على المشكلات (Problem-Based Learning)
باستعمال هذه الاستراتيجية فإنك تجعل التلميذ محورا أساسيا في البحث عن الحلول بدلا من جعله مجرد تابع للأستاذ يستقبل المعرفة. حيث تعتمد استراتيجية التعلم القائمة على حل المشكلات على نشاط التلميذ للبحث عن الحلول من خلال تحليل المعطيات أمامه وفهم المشكلة واقتراح حلول منطقية لها. كما أن هذه الاستراتيجية تقوي ملكة التواصل والتعاون لدى التلميذ لحاجته للعمل في مجموعات من أجل الوصول للمعرفة، كما أنها استراتيجية تمكن التلميذ من التعامل مع المشكلات بعقلانية خارج المدرسة وفي حياته اليومية.تشجيع النقاشات الصفية
تعتمد هذه الاستراتيجية على جعل الأستاذ مسيرا للقسم فقط، لا منبعا وحيدا للمعرفة. يفتح الأستاذ أبواب النقاش أمام التلاميذ من أجل تبادل أفكارهم ومقارعتها ببعضها البعض، وذلك باستعمال الأدلة والبراهين والحجج المختلفة، ويتدخل الأستاذ لتسيير النقاش فقط ولضمان عدم خروجه عن أهداف الحصة. تعلم هذه الاستراتيجية التلميذ مهارات أخرى مثل احترام اراء الآخرين والاستماع وعدم المقاطعة والتعبير عن الراي المدعوم بالأدلة.تحليل المصادر والمعلومات
استراتيجية تعمد إلى مد التلميذ بالكثير من المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة. وتضعه أمام مصادر موثوقة قوية ومصادر غير موثوقة ضعيفة. الهدف هو وضع التلميذ موضع المحقق في المعلومات حيث يقوم بفرزها فرزا يعتمد على المنطق السليم المبنية على الاستدلال.يمكن إعطاء التلميذ مقالا صحيحة إلى جانب مقال خاطئ. مثال "مقال يؤكد بأن الأرض كروية" الى جانب "مقال يؤكد بأن الأرض مسطحة" ودفعه إلى تمييز المقال الصحيح.
تشجيع العصف الذهني Brainstorming
ترتكز استراتيجية العصف الذهني على دفع المتعلمين إلى طرح جميع الأفكار والآراء المتعلقة بموضوع أمامه. يهدف العصف الذهني إلى توليد أكبر قدر من الآراء والمواقف والأفكار حول موضوع معين بأكبر قدر من السرعة.تتيح هذه الاستراتيجية حرية للتلميذ من أجل طرح تمثلاته وأفكاره حول موضوع معين دون أن يتعرض للحجز الفوري أو للتقييم الفوري والنقد لهذه الأفكار من طرف الآخرين. وتشجع هذه الاستراتيجية الحرية الفكرية والإبداع والتفكير الحر.
التعلم القائم على نهج التقصي
يمنح التعلم القائم على نهج التقصي فرصة للتلاميذ والمتعلمين من أجل البحث واستكشاف المعرفة بأنفسهم، وذلك بالاعتماد على مجموعة من الأدوات المعرفية التي تعلموها كطرح الأسئلة ووضع الفرضيات وتجميع المعطيات والمعلومات وفرزها وتحليلها واختبارها للوصول إلى النتيجة المرجوة.التعلم التعاوني
تهدف هذه الاستراتيجية إلى دفع التلاميذ للعمل في مجموعات على مشروعات مختلفة. تعتمد هذه الاستراتيجية على كل ما سبق من الاستراتيجية، حيث تحفز المتعلمين على التفكير بشكل نقدي، ومقارعة الأفكار بين أعضاء نفس المجموعة وتبادل معلوماتهم من أجل الخروج بالمشروع إلى الوجود. ترتكز هذه الاستراتيجية كذلك على حل المشكلات وتحليل المعلومات والتواصل الفعال، والحرية، والفكرية، والإبداع.تعليم المنطق والاستدلال
يمكن لاستراتيجية البحث المنطقي والاستدلال أن تعلم المتعلمين كيفية القراءة المنطقية للمعلومات وتحليلها بناء على ما تعرضه من حجج وبراهين. كما تعلم هذه الاستراتيجية للأطفال البحث دائما عما يمكن أن يعزز أقوالهم وأفكارهم من حجج، بدل الكلام فقط وإطلاق الأحكام من اجل الكلام. كما تغرس فيهم ملكة عدم قبول الأفكار الضعيفة غير المسنودة بالأدلة الصحيحة.استخدام التكنولوجيا بذكاء
الانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والتطبيقات العلمية وأنظمة الذكاء الاصطناعي تساعد المتعلمين على تقوية التفكير النقدي لديهم. فالبرامج مثلا التي تكون على شكل ألعاب أو ألغاز تحفز التلميذ على التفكير للوصول إلى الحل. كما أن التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تمكن المتعلمين من التأكد والتحقق من صحة المعلومات وترتيبها وتصنيفها بأنفسهم.ربط التعليم بالحياة الواقعية
جميع الاستراتيجيات المساعدة في تقوية التفكير النقدي لدى المتعلمين، تربط بين ما يتعلمه التلميذ في المدرسة وما يواجهه من مواقف في حياته اليومية. ومن هنا يمكن للتلميذ أن يستخدم التفكير النقدي واستراتيجيات حل المشكلات والتواصل وغيرها من أجل حل وتجاوز المشاكل اليومية التي تواجهه. حيث يمكن للتلميذ مثلا أو يقوم بتحليل تأثير تغير المناخ في بلدته ومحيطه من أجل رصد تأثيرات ذلك على المجتمع المحلي وعلى أهالي القرية أو المدينة.الصعوبات التي تواجه نشر التفكير النقدي داخل الأقسام الدراسية
الاعتماد على الحفظ والتلقين
تعتمد الكثير من الأنظمة التقليدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على التلقين. هذا التلقين يقتل ملكة التفكير النقدي لدى المتعلمين، حيث يصبح دور المتعلم فقط هو استظهار ما يملى عليه من طرف الأستاذ والمعلم. والمتفوق في هذه الأنظمة التعليمية هو الذي استطاع استظهار أكبر قدر من المتون والأشعار والنصوص. لكن هؤلاء التلاميذ يفشلون في مواجهة التحديات خارج المدرسة وربما يتغلبون عليها بصعوبة، نظرا لأنهم لم يدربوا ولم يُمَكَّنوا من الوسائل المعرفية لذلك.الخوف من الفشل
من بين المشاكل التي يعاني منها التلميذ في مجتمعاتنا هو الخوف من الفشل والخوف من التعبير عن رأيه والخوف من طرح السؤال. هذه التربية عائق كذلك أمام التفكير النقدي والمنطقي، حيث يعتبر بعض أولياء أمور التلاميذ أن الطفل الذي يطرح الكثير من الأسئلة أو يسأل عن الأدلة وعن أسباب الأمور يعتبر طفلا مشاغبا أو غير مهذب، وهو أمر غير صحيح. وبالقمع في كل مرة يطرح فيها التلميذ سؤال أو يحاول أن يشارك بفكرة في نقاش أسري يقتلون فيه هذه الملكة. ويجعلونه انسانا تابعا فقط، يقبل كل ما يقال له دون تمحيص أو تحليل للأسف.نقص الوسائل التربوية المساعدة وضعف تكوين الأطر التربوية
ترسيخ التفكير النقدي بكل استراتيجياته المختلفة، يحتاج إلى وسائل تربوية مساعدة من شاشات داخل القسم الدراسي وحواسيب في بعض الأحيان، والكثير من الوسائل الديداكتيكية التي تساعد الأستاذ في إيصال الفكرة.بالإضافة إلى أن الكثير من رجال ونساء التعليم بمجتمعاتنا تكونوا وتخرجوا من المعاهد ومن مدارس تكوين الأساتذة للتلقين والتحفيظ فقط، يعني بأنهم هم بأنفسهم ضحية لعدم الاستفادة من استراتيجيات التفكير النقدي.
قد يكون هناك نقص في التدريب على كيفية تعزيز التفكير النقدي. لذلك تجد الكثير منهم يساهمون كذلك في قمع المتعلمين الذين يطرحون الأسئلة والذين يعبرون عن أفكارهم بطريقة مختلفة.
كما يمكن الإشارة إلى ضعف برامج التكوين الخاصة بالأطر التربوية والتي يمكن أن تساعدهم في مواكبة تطورات العصر وتجديد استراتيجياتهم المتقادمة في التدريس.
المقاومة الثقافية
في بعض البيئات، قد يكون هناك ميل لرفض التفكير الناقد بسبب التقاليد أو الأعراف الاجتماعية والدينية والتي تفرض على الانسان السمع والطاعة فقط دون أن يكون له أي رأي حول موضوع داخل هذه المجالات.حلول مقترحة لتجاوز التحديات التي تواجه التفكير النقدي
إعادة تصميم المناهج
البرامج الدراسية الحالية في بلداننا وهنا أتحدث عن بلدي المغرب، وبكل صراحة لا تواكب مستجدات ومهارات المستقبل. ويصعب على الأستاذ تطبيق استراتيجيات التفكير النقدي وتعليمها للتلاميذ داخل هذه المناهج المتوارثة منذ أجيال كثيرة. لذلك، يجب التفكير في إعادة تصميم جميع المنهاج الدراسية والتخلص من المواد والمكونات غير الصالحة والتي وضعت هناك فقط من أجل إرضاء هذه الجماعة أو تلك. ويجب أن ندرس فقط ما يمكن أن يساعد التلميذ في حياته الشخصية ومستقبله بعيدا عن التلقين غير المجدي.تدريب وتكوين الأساتذة والاهتمام بأوضاعهم الاجتماعية
لا يمكن إنجاح أي برنامج أو منهاج دراسي دون تكوين جيد للأستاذ وتدريبه على البرنامج لمدة مناسبة، فالاعتماد على ما تعلمه الأستاذ قبل عشرات السنين داخل مدارس تكوين المعلمين والأساتذة، غير نافع انطلاقا.ولا نفوت الفرصة هنا من أجل الحديث كذلك عن ضرورة الاهتمام بالأوضاع المادية والاجتماعية للأساتذة، فنجاح التعليم ينطلق من الاعتناء بالأستاذ فهو الجندي الأولي الذي ينزل سياسات وزارة التعليم داخل القسم.
خلق بيئة تعليمية آمنة
يجب جعل المدارس والأقسام مستنبتا للأفكار، حيث يمكن للتلاميذ التعبير عن أفكارهم بدون خوف أو انتقاد أو تهجم سلبي عليهم. لن يأتي هذا دون نشر الوعي في المجتمع ونشر الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان. وتقبل الانتقاد من طرف الدولة والمسؤولين دون تعريض الصحافيين للسجن بمجرد التعبير عن أفكارهم.بعد ذلك، يمكن أن يؤثر المجتمع على المدرسة بكل مكوناتها وأن تتحول الى فضاء آمن للأساتذة وللتلاميذ، وأما العكس فأعتقد بأنه صعب جدا.
تعزيز ثقافة البحث وتغيير أشكال التقويمات.
تعتبر المشاريع البحثية من الوسائل المساعدة على تنمية الحس النقدي لدى المتعلمين، وعندما أتحدث هنا عن المشاريع البحثية فلا أقصد تقطيع وإلصاق الصور كما هو معمول به في المشاريع المدرسية المغربية. وإنما مشاريع حقيقية تعتمد على البحث وتحليل المعلومات والمعطيات والتقاط الصور.حيث يمكن مثلا تكليف المتعلم بالبحث عن الصناعات التقليدية المتواجدة بقريته وتصوير بعض الصور (يمكن استخراجها من مطبعة المؤسسة) وكتابة حوارات وسؤال وجواب مع الحرفيين. إلى غير ذلك من الأفكار.
- الخاتمة
- المصادر
- دراسة: "تنمية التفكير النقدي بالفضاء التربوي في المغرب"المؤلف: الحبيب أستاتي زين الدين المصدر: مجلة تبين للدراسات الفكرية والثقافية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المجلد 9، العدد 36، 2021.
إرسال تعليق