ظاهرة التنمر في المدارس المغربية: الأنواع، الأسباب و الحلول
مقدمة لظاهرة التنمر في المدارس المغربية
أصبح التنمر بين تلاميذ المدارس المغربية ظاهرة، خصوصا بعد انتشاره بشكل كبير، حيث أصبحت هذه الظاهرة تهدد الروابط الاجتماعية والتربوية داخل المؤسسات التعليمية بالمغرب، وتؤثر على الصحة النفسية والتربوية للمتعلمين. تجد الكثير من شكاوى التنمر تتقاطر على الأساتذة بشكل أسبوعي أو يومي، وقد يكون الأستاذ شاهدا على التنمر بنفسه أثناء مراقبته للمتعلمين داخل المؤسسة.
يخلق التنمر جروحا غائرة في نفسية الأطفال وهي الجروح التي تؤثر على تحصيلهم الدراسي وربما على مستقبلهم البعيد كذلك. ففي الوقت الذي أطلقت فيه الدول المتقدمة برامجا وقانونا لمحاربة التنمر خصوصا بالوسط المدرسي، لازالت المؤسسات التعليمية المغربية تتجاهل هذه الظاهرة وربما تعتبرها شيئا عاديا لا يكاد يسبب مشكلة!
من هذا المنطلق سنحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة انطلاقا من ملاحظتنا وتعايشنا اليومي مع التلاميذ واطلاعنا على مشاكلهم داخل الوسط المدرسي. سنعدد أسباب التنمر المختلفة ونرصد بعض الآثار المدمرة لهذه الظاهرة الخطيرة على مستقبل أبنائنا وسنقترح بعض الحلول والطرائق التربوية لمعالجته خصوصا داخل الوسط التربوي والأسري المغربي.
أنواع التنمر في الوسط المدرسي المغربي
التنمر ضد المتفوقين
من بين أخطر أنواع التنمر المدرسي الذي رصدته شخصيا خلال سنواتي الطويلة بالتدريس هو التنمر الموجهة ضد الفئة المتفوقة بالقسم، حيث يتعرض التلميذ المتفوق للكثير من المضايقات من زملائه داخل القسم وذلك من أجل تحطيم معنوياته وكسر إرادته. و قد رصدت بعد الألقاب التي يستعملها المتعثرون ضد المتفوقين من قبيل "ابن امه" "ولد ماماه" "كيليميني" .. وإذا كان هذا المتفوق تلميذا مهذبا ونظيفا تزداد فرص التنمر ضده. يكون هذا النوع من التنمر نتيجة الغيرة او انعدام الثقة لدى المتنمر الذي لا يستطيع التفوق لذلك يحاول أن يكسر إرادته كل من يفوقه في المراتب الدراسية. هنا يعيش المتفوق عزلة داخل المدرسة حيث يشعر بأنه اقترف ذنبا كبيرا بتفوقه وبأنه هو المرتكب للخطأ.التنمر ضد المتعثرين
مقابل التنمر ضد المتفوقين هناك نوع آخر من التنمر، وهو الموجه للفئة المتعثرة من التلاميذ خصوصا منهم المهذبين والذين يواجهون صعوبات قرائية أو في مكونات دراسية أخرى. هذا التنمر ينطلق من المتفوقين أو من المتوسطين ضد التلاميذ المتعثرين أو من يصفونهم ب “الكسالى" حيث لاحظت شخصيا ابتسامات ساخرة من بعض التلاميذ عندما يفشل تلميذ في قراءة كلمة أو انجاز تمرين في الرياضيات، والأعجب الذي لاحظته هو انتقال أوصاف من القسم إلى خارج المدرسة. حيث نجد تلميذا مثلا نطق كلمة "الجماعة" نطقها "المجاعة" يتعرض للتنمر بسبب هذا ويطلق عليها لقب "المجاعة" ويصفون عائلته بالجائعة الى غير ذلك من الأوصاف وكل هذا عايشته واطلعت عليه نقل إلي. هذا النوع من التنمر يقتل كل المجهودات التي يقوم بها الأستاذ من أجل تحفيز المتعثرين على المشاركة داخل القسم، حيث يشعرون بالخجل وبالخوف من الفشل بسبب خوفهم من ردود أفعال الآخرين.التنمر العنصري
رغم ما يعيشه المغرب من تنوع ثقافي وعرقي، فإنه التنمر العرقي لازال حاضرا داخل المؤسسات التعليمية، حيث يعاني التلاميذ ذوو البشرة السمراء خاصة داخل المناطق ذات الأغلبية الفاتحة البشرة، من تعليقات عنصرية مثل "العبد" "بلال" "الكحلوش" "العزي" "أسوقي" وهي عبارات تحمل إرثا عنصريا تاريخيا مؤلما.التنمر الجسدي والنفسي
ينتقل التنمر في المدارس المغربية من الكلمات إلى اللكمات حيث يصل الأمر إلى الإيذاء الجسدي مثل الضرب أو الدفع، إلى جانب أوصاف قدحية خطيرة تستهدف الطعن في الكرامة والنسب، كأن يوصف التلميذ مثلا بابن العاهرة أو بان الحرام. هذه الألقاب تستهدف كذلك الوضع الاجتماعي للتلميذ بالطعن في أسرته خصوصا إذا كانت فقيرة أو قد تعرض الابوين للطلاق وهو ما يجعل التنمر أداة للتمييز والتفرقة الطبقية داخل المدارس المغربية.أسباب انتشار التنمر في المدارس المغربية
التربية الأسرية
لا يمكن للتنمر أن ينطلق إلا من البيئة الأسرية وذلك في سن مبكرة، حيث يتعلم الأطفال سلوكيات التمييز وعدم تقبل الاختلاف وذلك بملاحظة تعليقات الوالدين السلبية تجاه الاخرين. فعبارات "فلان مايسواش" أو "شوف كيدايرا" أو " هاذيك غي ..." تزرع داخل الطفل الصغير فكرة التفوق على الآخرين دون أن يحتاجوا للتفوق فقط يجب أن يمتلكوا ألسنة لاسعة. كما يكون التنمر كذلك نتيجة للعنف الأسري والإهمال والسب والتحقير الذي يتعرض له الطفل من والديه واخوانه وهو الأمر الذي يدفعه لإعادة انتاج التنمر ضد الآخرين في المدرسة.عدم اهتمام المدارس!
تحدث معظم حالات التنمر داخل المدارس، داخل الأقسام وفي ساحات المدرسة، في غياب المراقبة أو بوجودها حيث يصعب رصد التنمر إلا بالاقتراب المباشر من التلاميذ، وحتى عند رصد هذا التنمر فإن بعض الأساتذة يكتفون باللامبالاة ومعهم المدير، حيث يعتبرون التنمر مجرد "شقاوة" أطفال لا تستحق أي تدخل أو عقاب لأن الأمر حسبهم لم يصل للعنف الجسدي المباشر. هذا الأمر يشجع المتنمرين على الاستمرار في أفعالهم لعلمهم بأنهم يفلتون من العقاب كل مرة.التأثير الثقافي والإعلامي
لا يمكن الحديث عن ثقافة التنمر دون ذكر البرامج التلفزية التي تنشر هذا الثقافة بين الأطفال، حيث نجد برامجا فكاهية أو كوميدية خلال رمضان مثلا تستعمل التنمر وسيلة للوصول للمشاهدين. هذه الصور من التنمر تتسرب إلى عقول الأطفال الذين يعتقدون بأن التنمر سلوك عادي جدا، بل ومضحك مرغوب فيه مادام أنه يعرض على القنوات العمومية المغربية والتي تمول للأسف من أموال دافعي الضرائب.ضعف الإطار القانوني الزجري
تغيب العقوبات الصارمة ضد التنمر من الأنظمة الداخلية بغالبية المدارس والمؤسسات التربوية المغربية، هذا الفراغ القانوني يكبل الأساتذة ويمنعهم من اتخاذ أي خطوات زجرية ضد المتنمرين وهو الأمر الذي يترك الضحايا دون حماية قانونية أو نفسية، في الوقت الذي يتشجع في المتنمرين ويتمادون في سلوكياتهم.مختلف تأثيرات التنمر على التلامي
الصحة النفسية:
لا يجادل اثنان فيما قد يتعرض له الأطفال ضحايا التنمر من قلق واكتئاب، وربما انخفاض في تقدير واحترام الذات، وقد تصل مضاعفات تأثيرات التنمر إلى أفكار انتحارية في الحالات الخطيرة إن لم تتم معالجتها.الأداء المدرسي:
التنمر داخل المدارس وفي الطريق إليها يقتل رغبة التعلم لدى ضحايا التنمر، وذلك بسبب خوفهم الدائم من الانتقاد والاعتداء اللفظي وغير اللفظي عليهم سواء بالكلمات أو بالإشارات. وقد لاحظت شخصيا تراجعا ملحوظا في نتائج التلاميذ الذين يتعرضون للتنمر والذين تتم مقاطعتهم من أقرانهم وزملائهم خارج القسم.العلاقات الاجتماعية
يجنح الأطفال ضحايا التنمر نحو الانعزال والقوقعة على أنفسهم بسبب خوفهم من الآخرين ومن ردود أفعالهم. هذا التأثير السلبي يؤدي إلى الحد من قدرة الضحايا على بناء صداقات جديدة بسبب غياب الثقة في الآخرين أولا وفي النفس ثانيا.
الهروب من المدرسة :
في بعض الحالات يضطر التلميذ إلى الانقطاع عن المدرسة نهائيا ورفضه فكرة متابعة دراسته بسبب ما يعانيه من تنمر وتحرش وعنف نفسي وجسدي، خصوصا في المناطق النائية وصعبة الولوج حيث تكون خيارات تغيير المدرسة بالانتقال إلى مدرسة أخرى أمرا مستحيلا. وفي مثل هذه الحالات لا يصرح الطفل لعائلته بالسبب الحقيقي وراء رفضه للمدرسة، وبذلك يصعب معالجة المشكلة.
اقتراحات للحد من ظاهرة التنمر بمدارسنا
إدماج التوعية ضد التنمر بالبرامج الدراسية
يجب على وزارة التربية الوطنية التفكير في تغيير المناهج والكتب الدراسي وذلك لتشمل دروس محاربة التنمر والتوعية بمخاطرها على الفرد والمجتمع. يمكن إدماج هذه الدروس ضمن مكونات التربية المدنية أو التربية الإسلامية أو اللغة العربية، مع التركيز على عواقب التنمر الأخلاقية والقانونية بالإضافة الى الدعوة إلى نشر ثقافة التسامح واحترام الاخر المختلف عنا. ويمكن تمثيل مسرحيات تربوية من طرف التلاميذ مع التركيز على إشراك التلاميذ الذين يمارسون التنمر في هذه الأنشطة التوعوية، واعطائهم أدوار قيادية.أندية مدرسية لمحاربة التنمر
يجب في كل مدرسة ادراج نادي خاص بمحاربة التنمر يكون بطبيعة الحال تحت اشراف الأساتذة، يقوم هذا النادي بتنظيم حملات توعوية داخل فضاءات المدرسة للتوعية بمخاطر التنمر. تعتمد هذه الحملات على رسومات المتعلمين وعلى برامج وثائقية ومسرحيات وأناشيد وقصص، هدفها جميعا هو محاربة التنمر بالوسط المدرسي. كما يمكن تنظيم موائد مستديرة بهذه الأندية واستقبال الأطفال ضحايا التنمر من أجل إعادة مشاركة تجربتهم وما تعرضوا له مع الآخرين وهي فرصة لاكتساب صداقات جديدة داخل المدرسة.تطبيق نظام "الشرطة المدرسية"
يمكن تدريب مجموعة من التلاميذ المعروفون بأخلاقهم العالية من أجل الانضمام الى شرطة مدرسية، يكون هدفها رصد حالات التنمر سواء داخل المدارس أو في الطرقات الى المدارس وذلك من أجل التدخل لحل هذه النزاعات بطريقة سلمية، كما يمكن لهذه الشرطة التبليغ للإدارة المدرسية وكتابة تقارير حول المتنمرين وسلوكياتهم. ففي كثير من الحالات لا يمكن رصد التنمر ضد الأطفال إلا من طرف الأطفال أنفسهم.الدعم النفسي بالمدارس الابتدائية
يجب أن تتوفر في كل مدرسة على مكلف بالدعم النفسي، هذا الأخير يقدم استشارات لضحايا التنمر خصوصا، وذلك بكون الأساتذة مكلفون بالعمل داخل الأقسام وفق زمن مدرسي محدد. بالإضافة الى ذلك، فالأستاذ أو المدير غير مكون للتعامل مع الحالات التي تعرضت للتنمر أو لمن يمارس التنمر بسبب طبيعة تكوينهم.إشراك الأسر في محاربة التنمر
يمكن للمؤسسات التعليمية بشكل دوري تنظيم ورشات ولقاءات للتحسيس بمخاطر التنمر والتوعية بطرائق اكتشاف علامات التنمر لدى أطفالهم سواء كانوا ضحايا أو متنمرين، لأنه لا يمكن إنجاح أي خطوة علاجية دون إشراك فاعل أساسي وهو الأسر. كما أن الطفل يمكن أن يتقبل النصيحة من أسرته أكثر مما يتقبل من الأساتذة أو من الغرباء الآخرين.استخدام التكنولوجيا للرصد والتدخل
يمكن للمؤسسات التعليمية تطوير تطبيقات هاتفية يمكن تحميلها على هواتف التلاميذ أو هواتف أسرهم واستعمالها للتبليغ بشكل سري عن حالات التنمر، حيث تتوصل الإدارة بهذه الرسائل وتتأكد من مصداقيتها للتدخل قبل فوات الأوان، كما يجب تعميم كاميرات المراقبة بجميع مرافق المؤسسة للعودة إليها إذا اقتضى الأمر ذلك.خاتمة
لا يمكن اعتبار ظاهرة التنمر داخل المدارس المغربية سلوكا عاديا وعابرا كما يدعي البعض، بل هو مشكلة خطيرة من الناحية الاجتماعية والنفسية والتربوية والسلوكية تتطلب من الجميع رص الصفوف من أجل محاربته، أو على الأقل الحد منه حسب الإمكانيات المتاحة. ولا يمكن أن ننجح في ذلك دون توفر رغبة قوية من طرف وزارة التربية الوطنية وكافة المتدخلين الآخرين من رجال ونساء التعليم والآسر ومنظمات المجتمع المدني وكافة المتدخلين الآخرين. حينما يمكن جعل المدرسة فضاء آمنا للتعلم حيث يتم احترام الاختلاف وتشجع المواهب وتكبر الأحلام.- المصادر :
- دراسة: "التنمر ضد التلاميذ في وضعية إعاقة داخل المؤسسات التعليمية" Revues IMIST
- دراسة: "التنمر الإلكتروني بين طلاب الجامعات في المغرب: تصورات الطلاب الذين يتعرضون للتنمر على مواقع التواصل الاجتماعي" Democraticac
- كتاب: "التنمر وآثاره المدمرة على المتنمر والضحية والشاهد" Noor Book
- كتاب: "التنمر الإلكتروني وتقدير الذات" Noor Book
- دراسة: "التنمر في البيئة المدرسية: مفهومه وآثاره" ResearchGate
- دراسة: "دور الإدارة المدرسية في الحد من ظاهرة التنمر ضد التلاميذ ذوي صعوبات التعلم" JFEES
إرسال تعليق