تأثير التغذية على الأداء الدراسي للتلاميذ في المغرب
مرحبا بك في مدونة معلمي،
- مقدمة :
تعتبر التغذية السليمة من العوامل المهمة التي تؤثر إيجابا على الآداء الدراسي للمتعلمين، خصوصا وهم في مرحلة النمو العقلي والجسدي ولم يستكملوا بعد نموهم هذا. فالإضافة إلى مدها الجسم بالطاقة والنشاط، تلعب جودة التغذية دورا هاما في زيادة تركيز التلميذ كما تقوي ذاكرته القصيرة والبعيدة.
وبما أن بلد اشتغالنا هو المملكة المغربية، فسنحاول هنا الإحاطة بمجموعة من العوامل التي تؤثر سلبا أو إيجابا على تغذية التلاميذ. مثل الحالة الاقتصادية التي تعيشها الأسرة كالفقر والغنى، واختلاف نوع المدرسة التي يرتادها الطفل. كما أن جودة وتنوع الإطعام المدرسي كذلك من العوامل المؤثرة على الأداء الدراسي. بالإضافة إلى الوعي الصحي للأسرة التي ينتمي إليها التلميذ.
بما أننا نكتب مقالنا هذا في شهر رمضان الكريم، فسنرصد بعض مشاكل التغذية التي يعاني منها الأطفال، كالإهمال واستهلاك الحلويات والعصائر غير الصحية أو حتى الخروج والقدوم للمدرسة بدون إفطار صحي.
ما علاقة التغذية الجيدة بالتعليم؟
التغذية المتوازنة والسليمة ضرورية من أجل إمداد التلاميذ بالطاقة التي يحتاجونها من أجل التركيز وحل المسائل الرياضياتية والإجابة عن الأسئلة المعقدة (بالنسبة لأعمارهم). فلا يوجد عقل سليم بدون تغذية سليمة متوازنة. من خلال تجربتي لسنوات طويلة داخل القسم الدراسي سواء بالقطاع العام أو الخاص، لاحظت بأن العديد من التلاميذ يعانون من تغذية غير متوازنة، أو في أسوء الحالات تغذية غير صحية، تعتمد على السكريات وغيرها من المعلبات غير المفيدة لصحتهم ولأعمارهم. تختلف تغذية التلاميذ الذين درستهم حسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للوالدين، هذا الأمر يخلق حالة من عدم التوازن بين المتعلمين فيما يتعلق بأدائهم الدراسي العام.أسباب تفاوت التغذية بين تلاميذ المغرب
الفروق بين الفقراء والأغنياء
الأسر الفقيرة
تعتمد الأسر الفقيرة في غالبيتها في وجبة على الخبز والشاي والأرز والمعجنات وغيرها، هذه الوجبات غنية بالكربوهيدرات، لكنها تفتقر للأسف للبروتينات والفيتامينات والعناصر الغذائية الضرورية لاكتمال نمو دماغ الطفل. تتجه الأسر لهذه الأطعمة بسبب انخفاض ثمنها "نسبيا" مقارنة باللحوم والأسماك والبيض والفواكه التي عرفت وتعرف ارتفاعا مستمرا في الأسعار، يعجز معها الفقير على شرائها.الأسر الغنية
يملك التلاميذ القادمون من أسر متوسطة إمكانيات مفتوحة لتناول التغذية المتوازنة، وذلك بسبب قدرتها المالية المرتفعة. وحتى داخل بين الأسر الغنية نجد اختلافا وتنوعا في التغذية، حيث نجد بالأسر المتعلمة أطعمة صحية مقارنة بالأسر الغنية غير المتعلمة.تغذية تلاميذ المدارس الخاصة مقابل المدارس العمومية
المدارس الخاصة (الخصوصية)
غالبية التلاميذ بالمدارس الخاصة ينتمون للطبقة المتوسطة أو الغنية، هذه الأخيرة تستطيع الوصول إلى جميع الأغذية المتوازنة والمتنوعة. وفي بعض المدارس الخاصة بالمغرب، يمنع الأطفال من إحضار أطعمة غير صحية مثل علب رقائق البطاطس أو البسكويت أو غيرها من الأطعمة غير المفيدة. كما توفر بعض المدرس الخاصة خدمة الإطعام المدرسي (بالمقابل بطبيعة الحال)، وتكون هذه الأطعمة غنية بالبروتينات، وبالألياف، والبروتينات، والفيتامينات.المدارس العمومية
يعاني تلاميذ المدارس العمومية من غياب للإطعام المدرسي. وحتى المؤسسات القروية التي كان تلامذتها يستفيدون من بعض الوجبات غير الصحية، مثل العصائر الصناعية والبسكويت فقد منعت عنهم خلال انطلاقا من السنة الدراسية 2025، والأسباب مجهولة.المدارس العمومية لا تهتم بالتغذية السليمة لمن يدرسون بها، ولا تمنعهم من جلب الأطعمة غير الصحية للمؤسسات، وغالبيتهم من أبناء الشعب الفقراء أو أبناء الموظفين المتوسطين والذين لا يستطيعون دفع تكاليف المدارس الخاصة المرتفعة.
برامج الإطعام المدرسي
في الماضي كان الإطعام المدرسي جيدا، خصوصا بالمناطق النائية والجبلية الفقيرة. التي كان يستفيد أطفالها من تغذية مدرسية يومية مثل سمك التونة والخبز والحليب وعدس واللوبيا وغيرها من المواد الغذائية المفيدة. لكن و للأسف تم اغلاق هذه البرامج وحسب علمي فقد توقف غالبية هذه البرامج، خصوصا بعد استفادة الأسر المغربية الفقيرة من منحة مالية شهرية قدرها 500 درهم (50 دولار). وأما أطفال المدن فلم يكونوا يستفيدون أبدا من برامج الإطعام المدرسي باستثناء من كانوا يقطنون منهم بالداخليات المدرسية ودور الطالب (ة).
وعي الأسر
يلعب وعي الأسرة دورا حاسما في تغذية أطفالها. وحتى الأسر الفقيرة التي تمتلك وعيا مرتفعا فإنها تحاول ما أمكن توفير بعض التغذية المتوازنة مثل البقوليات والخضر والبيض وغيرها وذلك في حدود ما تسمح به ميزانيتها المحدودة. وأما الأسر الفقيرة غير الواعية فإنا تعتقد أن شراء علب رقائق البطاطس أو بعض العصائر المعلبة سيساهم في تغذية متوازنة لأطفالها.تأثير التغذية على الأداء الدراسي
التغذية الجيدة
أثبتت الكثير من الدراسات العلمية بأن الوجبات الغنية بالعناصر الغذائية مثل البروتينات والفيتامينات والأوميجا 3 تقوي الذاكرة وتحافظ على التركيز وهو الأمر الذي يؤثر بشكل إيجابي على ارتفاع الآداء الدراسي للتلميذ. ومن يستطيع الوصول إلى التغذية الصحية والمتوازنة يستطيع الوصول للتفوق، بعيدا (بطبيعة الحال) عن بعض الأطفال الذين لهم مهارات دراسية عالية بسبب جيناتهم.التغذية السيئة
يؤدي تناول الحلويات والسكاكر والعصائر الغازية بكثرة إلى ارتفاع في مستوى السكر في الدم والذي يتبعه مباشرة انخفاض مفاجئ، هذا الأمر يؤدي لإحساس الطفل بالتعب والخمول وقلة التركيز. تناول السكاكر، الحلويات، والعصائر الغازية يؤدي إلى ارتفاع سريع في السكر بالدم يتبعه انخفاض مفاجئ، مما يسبب التعب وقلة التركيز. قلة التركيز هذه يعاني منها الأساتذة خصوصا في الحصة الثانية بعد عودة التلاميذ من الاستراحة.
غياب الوعي الصحي لبعض الأسر كذلك يؤدي لإرسال أطفالهم للمدارس دون تناول وجبة الإفطار، هذا الأمر يؤدي لتقليل كمية التركيز والانتباه خصوصا خلال الحصص الصباحية، حيث يحتاج الدماغ إلى الجلوكوز من أجل العمل والتركيز وحل المشكلات.
غياب الوعي الصحي لبعض الأسر كذلك يؤدي لإرسال أطفالهم للمدارس دون تناول وجبة الإفطار، هذا الأمر يؤدي لتقليل كمية التركيز والانتباه خصوصا خلال الحصص الصباحية، حيث يحتاج الدماغ إلى الجلوكوز من أجل العمل والتركيز وحل المشكلات.
إهمال التغذية في رمضان
تهمل غالبية الأسر المغربية أطفالها خلال شهر رمضان المبارك. حيث يصوم الكبار ويعاني الصغار من سوء التغذية أو من تناول بقايا الطعام من وجبات السحور أو حتى الإفطار، وغالبا ما تكون هذه الوجبات غير متوازنة. وبعد عودة الأطفال من المدرسة لا يجدون الطعام المناسب لهم، والبعض منهم ينتظر لساعات حتى يصل وقت الإفطار، وخلال هذا الانتظار يتناول الأطفال أطعمة غير صحية " السقاطة" الغنية بالسكريات.
بعض الأسر للأسف تفرض على أطفالها الصوم، خصوصا تلاميذ المستوى السادس ابتدائي ما بين 11 و12 سنة. هذا التشدد يأتي من بعض الأسر المتدينة التي تعتقد بأن الطفل أو الطفلة بالخصوص قد وصلت لمرحلة البلوغ، بينما في الحقيقية لازال جسمها في طور النمو ويحتاج لكل مكون غذائي من أجل القيام بذلك.
هذا الإهمال إذا أضفنا له السهر والاستيقاظ في السحور دون النوم بالنسبة للأطفال الصغار يؤدي غالبا إلى تراجع الأداء الدراسي خصوصا في شهر رمضان المبارك.
بعض الأسر للأسف تفرض على أطفالها الصوم، خصوصا تلاميذ المستوى السادس ابتدائي ما بين 11 و12 سنة. هذا التشدد يأتي من بعض الأسر المتدينة التي تعتقد بأن الطفل أو الطفلة بالخصوص قد وصلت لمرحلة البلوغ، بينما في الحقيقية لازال جسمها في طور النمو ويحتاج لكل مكون غذائي من أجل القيام بذلك.
هذا الإهمال إذا أضفنا له السهر والاستيقاظ في السحور دون النوم بالنسبة للأطفال الصغار يؤدي غالبا إلى تراجع الأداء الدراسي خصوصا في شهر رمضان المبارك.
التحديات الشائعة في المغرب
استهلاك الحلويات والعصائر غير الصحية
- يشتري العديد من التلاميذ الحلويات (مثل "الشيبس" أو الكعك الصغير) والعصائر الغازية من الباعة المتجولين قرب المدارس العمومية بسبب غياب الإطعام المدرسي؛
- بعض الأسر تشتري لأطفالها هذه الحلويات والأطعمة غير الصحية وذلك بمبرر عدم امتلاك الوقت الكافي لإعداد وجبة متكاملة من الفطور، لذلك تستغل فرصة المرور بجانب أقرب بقالة من أجل ملء محفظة التلميذ بأغذية غير صالحة يتناول خلال فترات الاستراحة.
خروج التلاميذ بدون إفطار
في الأسر الفقيرة، قد يذهب التلاميذ إلى المدرسة دون تناول وجبة الإفطار بسبب ضيق الوقت أو عدم توفر الطعام، مما يؤدي إلى الشعور بالجوع والإرهاق وعدم التركيز أثناء شروحات الأستاذ.
إهمال الأطفال في رمضان
يصوم الكبار ويهملون إعداد وجبات صحية للأطفال غير الصائمين، أو يفرضون الصيام على صغار السن (مثل 12 عامًا) رغم حاجتهم للتغذية المستمرة لاكتمال نموه الجسدي والذهني، مما يسبب ضعفًا جسديًا وعقليًا، وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على التحصيل الدراسي.
ضعف برامج الإطعام المدرسي
رغم الجهود المبذولة من طرف وزارة التربية الوطنية المغربية بخصوص تجهيز وبناء المؤسسات وتوفير المستلزمات الدراسية وغيرها، إلا أن اهتمامها بالإطعام المدرسي وبالصحة المدرسية في شقها المتعلق بالطعام ضعيفة جدا إلى منعدمة.
حلول مقترحة لتحسين التغذية
تعزيز وعي الأسر
- تنظيم حملات توعوية داخل المدارس وخصوصا المدارس الابتدائية ووسائل الإعلام حول أهمية تناول وجبة الفطور والوجبات المتوازنة.
- توزيع منشورات توعوية بسيطة تحتوي على وصفات صحية رخيصة (مثل حساء العدس مع الخبز الكامل).
تحسين برامج الإطعام المدرسي
- توسيع نطاق المستفيدين من برامج الإطعام المدرسي ليشمل الفئات الفقيرة كذلك داخل المدن (وما أكثرها) مع ضمان تقديم وجبات غنية بالفيتامينات والبروتينات بعيدا عن المواد الصناعية المسرطنة.
- التعاون مع شركاء المدرسة من جمعيات ومنظمات ومحسنين لدعم مبادرات الإطعام المدرسي.
تنظيم المقاصف والباعة
- فرض رقابة على جودة الأطعمة المباعة قرب المدارس وحظر بيع الحلويات والعصائر غير الصحية من طرف الباعة المتجولين الذين لا يحملون رخصا للبيع.
- تشجيع المدارس الخاصة والعمومية على إنشاء مقاصف ومطاعم وذلك بأسعار مناسبة، مع إعفاء الفقراء ومحدودي الدخل من الدفع أو جعل مساهماتهم رمزية.
معالجة إهمال رمضان
- توعية الآباء بأهمية تغذية الأطفال غير الصائمين وتقديم وجبات خفيفة صحية (مثل التمر والحليب).
- ربط شراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومن خلالها المساجد لتوعية الآباء بمخاطر صيام الأطفال الصغار وتأثير ذلك على أدائهم الدراسي.
- تثقيف الأسر حول مخاطر فرض الصيام على الصغار دون استشارة طبية.
تشجيع الإفطار الصباحي
- إطلاق مبادرات مدرسية مثل "15 للإفطار" وذلك لتشجيع التلاميذ على تناول وجبة غذائية قبل بدء الدراسة الفعلية.
- توفير وجبات إفطار مجانية للتلاميذ الفقراء في المدارس العمومية.
خاتمة:
لا يمكن لأحد أن ينكر ارتباط الأداء الدراسي للتلاميذ ارتباطًا وثيقًا بجودة التغذية التي يتحصلون عليها، وهو الأمر الذي يتطلب تظافر المجهودات من طرف جميع المتدخلين: أسر، مدارس، حكومة، جمعيات، منظمات المجتمع المدني. وذلك من أجل التقليل بين الهوة الكبيرة بين الفقراء والأغنياء وبين المدارس الخاصة والمدارس العمومية من حيث الإطعام المدرسي.
هذا الأمر ليس مستحيلا، لكن يمكن تحقيقه بمشاركة الجميع. بهذا وفقط يمكن القضاء على سوء التغذية ومحاربة العادات الغذائية غير الصحية. فهذا لم يعد ترفا يمكن التفكير فيه، بل هو استثمار في مستقبل البلاد الذي تمثله الفئة الناشئة.
- المصادر :
- مجلة "الصحة والتعليم والتربية البدنية"
- برنامج الأغذية العالمي
- منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)
- وزارة الصحة المغربية
إرسال تعليق