تصحيح الأخطاء الإملائية هوس أم مسؤولية؟
مرحبا بك في مدونة معلمي،
- مقدمة
لا تكاد تتصفح منشورات مواقع التواصل الاجتماعي حتى تجد أخطاء املائية بالجملة، وفي نفس الوقت تجد الكثير من التعاليق التي تصحح هذه الأخطاء الاملائية والنحوية. وبحكم تجربتي الطويلة في إدارة أكبر الصفحات التربوية بالمغرب، لاحظت بأن الفئة الأكثر ميلا لتصحيح الأخطاء الاملائية هي رجال ونساء التعليم، وهم الأكثر حساسية تجاه الأخطاء الإملائية والنحوية.
ومن هنا جاءت فكرة كتابة هذه المقالة، والتي لن نكتفي فيها فقط بذكر رجال ونساء التعليم، بل سنحاول الإحاطة بظاهرة تصحيح الأخطاء من جميع الجوانب. حيث سنتحدث عن الدوافع الحقيقية لتصحيح الأخطاء وتأثيرات هذا التصحيح على المصحَّح له، كما سنرصد بعض الأبعاد النفسية والاجتماعية لظاهرة تصحيح الأخطاء الإملائية بمواقع التواصل الاجتماعي.
تصحيح الأخطاء الإملائية من منظور الأساتذة
رجال ونساء التعليم وبالخصوص أساتذة التعليم الابتدائي يحاربون يوميا الأخطاء الإملائية داخل الفصول الدراسية، وهم المؤتمنون على محاربة الجهل ونشر المعرفة وتصحيح المفاهيم الخاطئة، لذلك من الطبيعي جدا أن ينتقل دورهم هذا كذلك إلى مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي بشكل عام.تعتقد فئة كبيرة من رجال ونساء التعليم بأن محاربة الأخطاء الإملائية والنحوية وتحسين أسلوب الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي ضرورة حتمية، لذلك تراهم في مقدمة من يصحح الأخطاء ويغضب ممن يرتكبها ويدافع عن ارتكابها.
تأثير تصحيح الأخطاء الإملائية بالأنترنت على التعليم ببلادنا
تعزيز ثقافة التعلم المستمر
تعتقد فئة من الناس بأن التعلم وتصحيح الأخطاء يجب أن يبقى بين جدران القسم الدراسي، بينما إذا تمعنا في الأمر، فالإنسان يحتاج دائما لمن يصحح له الأخطاء وينبهه إلى الهفوات، ويجب عليه أن يتقبلها بصدر رحب وألا يعتبرها مشكلة شخصية مع المصحح. فالتعلم لا يجب أن يبقى في القسم فقط، بل يجب محاربة الأخطاء أينما وجدت في اللافتات على المحلات وفي عناوين المؤسسات العمومية وغيرها. من يدعو للفصل بين ما نتعلمه في المدرسة وبينما نطبقه خارجه هو يدعو لهدم التعليم، ويدعو للعيش بوجهين.انطلاقا من ممارستي التربوية لسنوات طويلة أؤكد بأن الأخطاء الإملائية واللغوية والنحوية مثل الفيروسات تنتقل بين التلاميذ وبين الناس بشكل عام. وتعززه المقولة التالية المنتشرة بين الناس " خطأ شائع خير من صواب مهجور". شخصيا لا أتفق مع هذا القول فالخطأ يبقى خطأ. لاحظ معي مثلا كيف يستعمل المغاربة جملة "حالة يرثى لها" للدلالة على سوء حالة شخص ما، حيث يستعملونها بطريقة خاطئة ويقولون "حالة لا يرثى لها" يقولونها وهم يقصدون العكس، مثل هذه الأخطاء اللغوية جاءت نتيجة تكرارها من طرف الآخرين، حتى أصبحنا نتقبلها ونفهمها عكس ما يمكن لسائح عربي قادم للمغرب أن يفهم منها.
ترسيخ قواعد اللغة لدى التلاميذ
تصحيح الأخطاء الإملائية بالفضاءات العامة يمكن أن يساهم في ترسيخ قواعد اللغة العربية لدى التلاميذ. تصحيح الأخطاء يمكن أن يؤدي إلى مراجعة الإنسان لإنتاجه الكتابي قبل نشره وذلك تفاديا للانتقادات المتعلقة بالأخطاء الاملائية واللغوية، وهو ما سيقوي الكتابة الصحيحة.فعندما يجد التلميذ بأن أخطاءه الكتابية تصحح سواء كان في القسم أو خارجه سيؤدي ذلك إلى إغلاق أبواب التهاون مما سيؤثر بشكل إيجابي على ترسيخ قواعد اللغة لديه أكثر.
التصحيح كوسيلة للطعن في الرأي
فئة معينة من الناس لا تصحح الأخطاء من أجل محاربة الأخطاء أو لنشر المعرفة، بل تستعمل هذا الأمر للطعن في رأي الآخر، فهي لا تهتم بالنحو أو بالإملاء عندما توافقها في الرأي أو عندما تنتمي لجماعتها السياسية أو الاقتصادية أو الدينية.من هذا الجانب، يمكن الحديث عن فئة تستعمل تصحيح الأخطاء للهروب من الفكرة الأساسية المناقشة، فأنت تكتب عن مشكلة خطيرة وربما أخطر من الخطأ الإملائي، تكتب عن قضية مهمة فيترك هو هذه الفكرة وهذه القضية ليكتب لك، لقد أخطأت في كتابة الهمزة على السطر ويجب أن تكتبها على الياء! والهدف هنا هو تهريب النقاش وتسفيه فكرتك بطريقة غير لائقة.
مع أن نفس الشخص يمكن أن يتجاهل الكثير من الأخطاء من شخص يحترمه أو يقدسه أو يعتبره مرجعا أو يشاركه فكرة، وهذا يطرح تناقضا ويبين بأن التصحيح هنا وسيلة ابتزاز وليست غاية لنشر المعرفة اللغوية بين الناس.
هذه الاستراتيجية تستعمل لإسكات الآراء المخالفة والتقليل من مصداقيتها، بالرغم من أنها غير صحيحة علمية فيمكن لشخص ان يرتكب المئات من الأخطاء ورغم ذلك تبقى فكرته صحيحة من الناحية المنطقية، أو العلمية، أو الاقتصادية، أو السياسية. ويمكن ان يحصل العكس كذلك، يمكن أن تنمق الكلمات وتستعمل القوافي لكن فكرتك خاطئة علمية، ودينيا، واقتصاديا، وسياسيا.
استعمال وسيلة تصحيح الأخطاء لغير الأغراض الصحيحة يتعبر إضرار للغة وطعنا في الأشخاص الذين يحملون نوايا حسنة لتصحيح الأخطاء ومحاربة الركاكة اللغوية.
الجانب النفسي: متلازمة الدقة النحوية
يسمي المختصون ظاهرة التصحيح المفرط للأخطاء ب "متلازمة الدقة النحوية Grammatical Pedantry Syndrome، حيث يميل المصابون بهذه الحالة النفسية حسبهم إلى تصحيح الأخطاء بشكل قهري لا إرادي. ويقول المختصون بأن المصاب بهذه المتلازمة يكون معرضا للقلق أو الضغط النفسي أو الوسواس القهري وهنا لا نتحدث عن الناس الذين يصححون الأخطاء بشكل عادي وناذرا، بل عن الشخص الذي لا يمكنه تجاهل الأخطاء الاملائية وإلا فإنه يعتقد بأن شيئا سيئا سيحدث.وفي دراسة قامت بها جامعة ميشيغان الأمريكية أظهرت بأن المصابين بهذه المتلازمة هم الأقل انفتاحا والأكثر عزلة اجتماعيا.
التصحيح و الأخطاء ورفع نسب المشاهدة!
يلجأ الكثير من أصحاب الصفحات الفايسبوك إلى ارتكاب أخطاء املائية عن قصد، وذلك لدفع الأشخاص الذين لا يستطيعون منع أنفسهم عن مشاهدة الأخطاء الإملائية للتعليق. تعتبر هذه الطريقة فعالة، فقد جربتها للتأكد بصفحة مدونة معلمي على الفايسبوك، حيث كتبت منشورا حول موضوع ما وقمت بقياس نسبة الوصول والمشاهدة، وبعد 24 ساعة تقريبا قمت بإعادة نشر المنشور مع كتابة كلمة داخل المنشور بطريقة خاطئة وهي "المساوات" بدل "المساواة" وهنا انهالت عليا التعاليق التي تدعوني للتصحيح وبعضها كتبت جمل مثل " ياودي ياودي هل أنت أستاذ"؟ ومنهم من كتب " لا تستحق أن تكون أستاذ" وعند الاطلاع على نسبة الوصول مقارنة بالمنشور السابق وجدت بأنه تضاعف خمس مرات x5.الهجوم الذي تعرضت له في هذا المنشور التجريبي يؤكد بأن هناك فئة لا تتساهل مع الأخطاء الإملائية ويمكنها تجاهل جميع المواضيع التي تنشرها ولو كانت لها فائدة كبيرة، لكنها لا تستطيع منع نفسها من التعليق من أجل التصحيح.
لذلك يجب الانتباه عند التصحيح بحسن نية، لأنه هناك صفحات تستعمل هذه الاستراتيجية من أجل رفع نسب المشاهدة والتفاعل وتستغل حب البعض للسمو باللغة العربية أو باللغات الأخرى، في الوقت الذي يتركون فيه الخطأ دون تصحيح لأيام عديدة من أجل كسب المزيد من التفاعل.
كيفية التعامل مع تصحيح الأخطاء الإملائية بفعالية
نصائح للمصححين
استخدم أسلوبًا محترما عند التصحيح، فليس جميع الأخطاء ناتجة عن ضعف المستوى المعرفي للشخص، خصوصا بوسائل التواصل الاجتماعي. فالإنسان ينشر التدوينات ويكتب التعاليق وهو في السوق أو في الحمام أو في العمل والبعض للأسف يكتب وهو سائق سيارته! لذلك يجب احترام مشاعر الآخرين ومن الأفضل تصحيح الأخطاء عبر رسالة في الخاص دون أن نسبب احراج للشخص.
ركز على المضمون بدلًا من الشكل، فبعض القضايا الخطيرة المنشورة لا تستحمل أن يتدخل شخص ليصحح التاء المربوطة مثلا. يمكن أن تجد شخصا يكتب تعزية والدته ويكتب " إن لله وانا اليه راجعون" وهو يبكي دموع الحزن على فراق أمه، وتجد شخص يتدخل ليقول له "اكتب إنا لله وانا اليه راجعون" صحيح، تصحيح الجملة مهمة لكن ليس في هذه اللحظة، اصبر على اخيك حتى يتجاوز محنته وآنذاك يمكن ان تنبه للأمر ولو بعد عدة أيام.
ركز على المضمون بدلًا من الشكل، فبعض القضايا الخطيرة المنشورة لا تستحمل أن يتدخل شخص ليصحح التاء المربوطة مثلا. يمكن أن تجد شخصا يكتب تعزية والدته ويكتب " إن لله وانا اليه راجعون" وهو يبكي دموع الحزن على فراق أمه، وتجد شخص يتدخل ليقول له "اكتب إنا لله وانا اليه راجعون" صحيح، تصحيح الجملة مهمة لكن ليس في هذه اللحظة، اصبر على اخيك حتى يتجاوز محنته وآنذاك يمكن ان تنبه للأمر ولو بعد عدة أيام.
نصائح للمصحح لهم
تقبل التصحيح بروح إيجابية، فالمصحح لا يكرهك غالبا. صحيح هناك فئة تكرهك وتكره فكرك ورأيك، لكن النوايا يعلمها الله، لذلك حاول دائما تصحيح الأخطاء الاملائية أو اللغوية التي نبهت إليها دون اثارة مشكلة وقم بشكر الشخص الذي صحح لك.
استغل الفرصة للبحث عن سبب ارتكابك للخطأ، فالبعض للأسف يتركب أخطاء متعلقة بالهمزة المتوسطة، وهي فرصة للعودة للاطلاع على القواعد وضبطها من أجل تفادي الوقوع في الحرج مرة أخرى.
لا تتردد في التوضيح إذا كان الخطأ بسبب سرعة الكتابة أو استخدام لوحة المفاتيح، فذلك يجعل موقفك وصورتك أفضل، وحاول ألا تكرر مثل هذه الأخطاء مرة أخرى فالناس ينتبهون ويتذكرون الأخطاء أكثر مما يتذكر ما هو صحيح.
استغل الفرصة للبحث عن سبب ارتكابك للخطأ، فالبعض للأسف يتركب أخطاء متعلقة بالهمزة المتوسطة، وهي فرصة للعودة للاطلاع على القواعد وضبطها من أجل تفادي الوقوع في الحرج مرة أخرى.
لا تتردد في التوضيح إذا كان الخطأ بسبب سرعة الكتابة أو استخدام لوحة المفاتيح، فذلك يجعل موقفك وصورتك أفضل، وحاول ألا تكرر مثل هذه الأخطاء مرة أخرى فالناس ينتبهون ويتذكرون الأخطاء أكثر مما يتذكر ما هو صحيح.
- خاتمة
- المصادر
الأخطاء اللغوية والإملائية والأسلوبية الشائعة في لغة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وتصويبها
EKB Journals
إرسال تعليق