سبب عدم مشاركة الأساتذة بكثافة في الدعم المؤسساتي
أطلقت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة خاصية الدعم المؤسساتي بالمدارس الرائدة بالمغرب. يهدف الدعم المؤسساتي هذا إلى تحسين مستوى المتعلمين في المواد الأساسية: اللغة العربية، اللغة الفرنسية والرياضيات. يستهدف هذا الدعم المؤسساتي التلاميذ الذين فشلوا في تحقيق الأهداف المنشودة خلال مرحلة الدعم المكثف طارل TaRL والذي قام به أساتذة المدارس الرائدة بداية السنة الدراسية الحالية.
مشروع الدعم المؤسساتي هذا، تم تنزيله بشكل فوقي دون استشارة لرجال ونساء التعليم، وهم القاطرة والمحرك الأساسي لنجاح العملية التربوية. ورغم هذا التنزيل الفوقي لهذا البرنامج فقد جُعل اختياريا لمن يرغب في الانخراط فيه، وتم تخصيص تعويض لكل ساعة دعم وذلك بسبب برمجته خارج ساعات التدريس المبرمجة.
رغم كل هذا، فقد واجه هذا المشروع رفضا كبيرا من رجال ونساء التعليم كما أشارت الى ذلك عدة تقارير صحافية. هذه الأخيرة حملت الأستاذ مسؤولية فشل مشروع المدارس الرائدة مستقبلا بسبب رفضه للدعم المؤسساتي. لذلك سنحاول في هذا المقال الإحاطة بمجموعة من الأسباب المهمة التي دفعت فئة كبيرة من الأساتذة إلى رفض المشاركة في هذا الدعم بشكل مكثف.
الأسباب الرئيسية لضعف المشاركة في الدعم المؤسساتي
غياب التعويض المناسب
قال العرب قديما "قل المال فقل الرجال" ومن هذه القولة يمكننا الحديث عن أهم الأسباب التي دفعت الأساتذة إلى المشاركة في الدعم المؤسساتي بشكل مكثف، فغياب التعويض المناسب وفقا لما سمعته بنفسي من جميع الزملاء الذين رفضوا فكرة المشاركة في الدعم، هو السبب الرئيسي الأول لضعف المشاركة، كما أشارت إلى ذلك الكثير من نقاشات الأساتذة بمواقع التواصل الاجتماعي. فتعويض أستاذ التعليم الابتدائي مثلا ب 60 درهما عن كل ساعة دعم، بعد عمله في اليوم لخمس ساعات رسمية، يعتبر مبلغا هزيلا مقارنة بالجهد المبذول حسب الكثير من الأساتذة.وحتى هذا الدعم الهزيل عن كل ساعة لا يحصل عليه الأستاذ إلى بعد أشهر كثيرة أو سنة كاملة! فأين التحفيز هنا؟ أن أعمل عملا اليوم مقابل أجر بسيط بعد سنة كاملة!
الإرهاق الوظيفي
يعاني الأساتذة وبالأخص أساتذة التعليم الابتدائي من إرهاق وتعب وظيفي كبير وذلك بسبب عدد ساعات العمل الأسبوعية التي يشتغلونها (30 ساعة تدريس أسبوعيا + ساعات التحضير المنزلي وكتابة الجذاذات وتصحيح الفروض...) دون نسيان العبء الإضافي الذي يتحمله أساتذة المدارس الرائدة، بسبب طول الدروس التي ترسل لهم من طرف المفتشين، حيث يطالب الأستاذ بإنجاز درس مكون من 70 صفحة خلال 70 دقيقة فقط! بما يشمله هذا الدرس من تغذية راجعة مباشرة للمتعثرين والاطلاع على كراسات المتعلمين وتصحيح للتمارين المنزلية المقدمة في الحصة الماضية.بعد هذا كله، نطلب منهم انجاز ساعات للدعم المؤسساتي خارج أوقات عمله، ثم نجعل ذلك صعبا جدا بإقرار تعويض هزيل! حيث يربط الأستاذ نفسه بهذا الدعم – بعد قبوله – إلى نهاية السنة الدراسية مقابل 750 درهما شهريا (3 ساعات دعم أسبوعيا) في الوقت الذي يحصل عليه الموظفون الآخرون عن تعويضات شهرية سمينة عن كل دقيقة إضافية أو تنقل بسياراتهم الخاصة!
بُعد المسافات وصعوبة التنقل
يضطر الالاف من رجال ونساء التعليم للقيام بالتراقص اليومي إلى مقرات عملهم، وفي سؤال طرحناه في الصفحة الرسمية لمدونة معلمي على الفايسبوك، والذي شارك فيه مئات الأساتذة كان مجموع مسافات التراقص اليومي التي صرحوا بها تتراوح بين 5 كيلومترات و120 كيلومترا يوميا. هذه المسافات الصعبة التي تكلف الأسرة التعليمية مئات الدراهم شهريا دون تعويض يذكر من الوزارة، هي من بين الأسباب المهمة كذلك التي تمنع الأساتذة من الانخراط في الدعم المؤسساتي.سيقول قائلا، ولماذا لا يسكن الأستاذ في مقر عمله؟ لماذا يضطر للتنقل الى المدن البعيدة؟ الجواب واضح جدا وذلك بسبب ضعف البنيات التحتية بالقرى التي يعملها أساتذة التعليم الابتدائي، غياب السكن الإداري، الرغبة في تحسين ظروف عيش اطفاله وأسرته، عدم رغبة الأهالي في القرى كراء منازل للأساتذة، إلى غير ذلك من الأسباب التي لا يتسع المجال هنا لذكرها.
استغلال الهواتف الشخصية دون تعويض
بعد اطلاع الأساتذة على التعويضات التي تتوصل بها الفئات الأخرى التي تشتغل خارج الأقسام، أصبحوا يواجهون مشكلة في استعمال مواردهم الخاصة دون تعويض. فقد انتشر مؤخرا الكثير من الكلام حول استعمال الأساتذة بالمدارس الرائدة لهواتفهم وللأنترنت الخاص بهم من أجل التواصل مع المفتشين ومديري المؤسسات الريادية، بدون تعويض أو على الأقل الاعتراف بذلك من طرف الوزارة الوصية.وقد سبق لوزير التربية الوطنية الحالي بأن أشار في البرلمان المغربي بأن الفضل في نجاح المدارس الرائدة يعود إلى المفتشين الذين يراقبون الأساتذة! كأن هذا الأستاذ لا يمتلك ضميرا ولا حسا مهنيا، ولا يساهم بمجهودات ومن ماله ومستلزماته في إنجاح مشاريع الوزارة دون أي شكر. هذا الأمر يؤدي إلى الشعور بالتهميش وعدم التقدير من طرف الجهات المسؤولة، خاصة عندما يتم تزويد الفئات الأخرى بهواتف وأرقام خاصة للتواصل وتعويضات على كل عمل إضافي يقومون به.
ضعف الانخراط في استمارات الملاحظات
أظهرت احصائيات رقمية نشرتها جريدة "لكم" بأن نسبة انخراط الأساتذة في تعبئة استمارات الملاحظات حول دروس التعليم الصريح بالمدارس الرائدة ضعيفة جدا. تهدف هذه الاستمارات الى رصد بعض مكامن القوة والضعف بالدروس المرسلة للأساتذة من طرف المفتشين من أجل تجاوز النقائص مستقبلا وتعزيز نقاط القوة.غير أن المقال بنفس الجريدة أشار إلى أن نسبة انخراط الأساتذة في تعبئة الاستمارات لا تتجاوز 2.54% وهي النسبة التي تبين عدم رغبة الأساتذة في المشاركة في هذه الأنشطة التقييمية وذلك بسبب شعورهم بأن هذا عمل إضافي وعبء على وقتهم دون تعويض أو تقدير مناسب.
عدم وفاء الوزارة بتعهداتها.
اختار الكثير من رجال ونساء التعليم الانخراط في مشروع الريادة بشكل طوعي، وذلك بسبب الوعود التي أطلقها الوزير السابق شكيب بنموسى، ومن بين هذه الوعود إقرار تعويض سنوي بشكل "دائم" للأساتذة بالمدارس الرائدة قدره 10000 درهم، قبل أن تتراجع الوزارة عن هذا الأمر بجعل الاستفادة من هذا التعويض مرة واحدة فقط. دون نسيان التزام الوزارة بتقليص ساعات العمل خصوصا بالتعليم الابتدائي (30 ساعة أسبوعيا) وهو الأمر الذي لم يتم بعد أكثر من سنة على وقف نضالات الأساتذة. من بين الوعود الكاذبة كذلك كان إقرار تعويض قدره 1000 درهم عن تصحيح الامتحانات بغض النظر عن عدد الأوراق المصححة بالإضافة على وعد جعل تعويض ساعة من الدعم المؤسساتي تقارب 90 درهما وهو ما لم يحدث.كل هذه الوعود الكاذبة والتراجعات في هذه الملفات المذكورة وغيرها من الملفات الأخرى التي لا علاقة لها بمدارس الريادة، نشرت الكثير من التذمر والإحساس بالإحباط بين الأسرة التربوية وهو ما جعلها تقاطع الكثير من الأنشطة التطوعية التي كانت تقوم بها.
تشهد الساحة التعليمية حربًا شرسة بين النقابات التعليمية والوزارة، حيث تدافع النقابات عن حقوق الأساتذة في الحصول على تعويضات عادلة مقابل مهامهم الإضافية. وقد أدى هذا الصراع إلى إغلاق باب الحوار بين الطرفين، مما زاد من تذمر الأساتذة ورفضهم للانخراط في مبادرات مثل الدعم المؤسساتي.
ماذا يمكن للوزارة أن تقوم به لحل المشكلة؟
زيادة التعويضات:
يجب زيادة التعويضات المقدمة للأساتذة مقابل ساعات الدعم، بحيث تكون متناسبة مع الجهد المبذول.
تحسين ظروف العمل:
يجب إقرار تعويض عن التنقل حسب المسافات فلا يعقل أن يتحمل الأستاذ مسؤولية الدولة في عدم توفر البنية التحتية بالقرى التي يشتغل بها.
توفير هواتف خدمة:
ربط شراكات مع شركات الهواتف لاستفادة الأساتذة (خصوصا بالمدارس الرائدة) من الهواتف بأسعار تفضيلية مع دعم الانترنيت وذلك بدلا من استخدام هواتفهم الشخصية.
تعزيز الحوار مع النقابات:
فتح باب الحوار مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية للوصول إلى حلول عادلة تلبّي مطالب الأساتذة مع التعجيل بتلبية ما تم الاتفاق عليه مع النقابات.
تقدير جهود الأساتذة:
الاعتراف بجهود الأساتذة وتقديرهم بشكل عادل سواء من الناحية المادية أو النفسية وهو الأمر الذي سيدفع بهم لمضاعفة مجهوداتهم من أجل إنجاح المبادرات التي تطلقها الوزارة، فحينما يحس الأستاذ بتقدير عمله يمكن أن يصنع المستحيل.
- المصادر :
- جريدة لكم : lakome2.com
- جريدة هسبريس : hespress.com
- موقع وزارة التربية الوطنية المغربية : men.gov.ma
- الكونفدرالية الديمقراطية للشغل : cdtmaroc.ma
إرسال تعليق