معالجة مشكلة التركيز والتشتت الذهني لدى التلاميذ
مرحبا بك في مدونة معلمي،
يعاني الكثير من الآباء والأمهات بالإضافة إلى الأساتذة بالمؤسسات التعليمية من مشكلة التشتت الذهني وقلة التركيز لدى المتعلمين. هذه المشكلة هي مشكلة العصر التي تواجه نجاح العملية التعليمية التعلمية خلال مختلف المراحل الدراسية بسبب أنها تؤثر على فهم واستيعاب ومتابعة الدروس من طرف هؤلاء التلاميذ الذين يعانون منها. مما يزيد العبء على العائلات وعلى رجال ونساء التعليم ببلدنا. ومن أجل معالجة هذه المشكلة بطريقة علمية يجب علينا أولا رصد العوامل النفسية والبيئية والتعليمية التي تؤيد لمشكلة التشتت الذهني من أجل اقتراح حلول عملياتية لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة.
ما هي أسباب التشتت الذهني وقلة التركيز؟
الأسباب المتعلقة بنفسية الطفل
تؤدي المشاكل والضغوطات النفسية على الأطفال مثل القلق والتوتر تؤدي إلى مشاكل متعلقة بضعف وصعوبة في التركيز. حيث يركز الطفل على تلك المشاكل النفسية ويفكر فيها مما يؤدي إلى غياب ذهنه عن الحصص الدراسية. ومن بين المشاكل النفسية الناتجة عن التربية مثلا شعور الطفل بعدم كفاءته أو ضعف ثقته بنفسه بسبب الخوف من الفشل وهو الناتج عن تعامل والديه مع وكثرة معاتبته، الشيء الذي يدفعه إلى التفكير في عواقب الخطأ مثلا بدلا من التفكير فيما يقوله الأستاذ.الأسباب المتعلقة بمحيط وبيئة الطفل
يعتبر المحيط أكبر عامل في جذب انتباه الطفل عن التركيز مع الدروس حيث تؤدي الأصوات المرتفعة والعالية في محيط الطفل إلى صعوبة في التركيز، فتركيز الطفل ضعيف أصلا ويتجاوز عدة دقائق في كل مرة، ومع انتشار الأصوات المرتفعة حول القسم الدراسي مثلا أو حديث بين الأساتذة أو بين أولياء أمور التلاميذ خارج أبواب المدرسة يؤدي إلى فقدان الطفل لتركيزه مع الأستاذ.وقد قام مجموعة من الأطر التربوية والإدارية بإحدى المدارس الابتدائية بالمغرب برفع دعوى قضائية ضد الجماعية الترابية بسبب الترخيص لسوق أسبوع يستمر لثلاثة أيام قرب المدرسة، حيث تستعمل مكبرات الصوت القوية من طرف باعة الخضر والفواكه وغيرهم مما يؤدي بالتلاميذ إلى الضحك سرا والتفكير في السوق بدل التفكير ومتابعة شرح الأستاذ.
الأسباب المتعلقة بفيزيولوجية الطفل
قلة التركيز مرتبطة كذلك بأسباب فيزيولوجية مرتبطة مثلا بقلة نوم الطفل بحيث لا يحصل الطفل على العدد الكافي من ساعات النوم التي توافق سنه، مما يؤثر بشكل كبير على عمل الدماغ ونموه. خصوصا وأن الطفل في مرحلة النمو يحتاج لفترات طويلة من النوم خلال الليل. فالسهر مثلا بمشاهدة التلفاز أو أجهزة الكترونية أخرى يؤدي لقلة النوم. من المشاكل المتعلقة بالنوم مثلا وهو أن أفراد الأسرة مثلا يتأخرون في النوم الى منتصف الليل دون أن يطالبوا أطفالهم بالنوم مبكرا، فما يحتاجه الشخص البالغ الكبير من النوم هو أقل مما يحتاجه الطفل الصغير.من جهة أخرى، تؤثر التغذية التي يتناولها الطفل كذلك في ضعف تركيزه، فالطفل الذي يتناول الكثير من السكريات بدل الخضر والفواكه الغنية بالفيتامينات والألياف وغيرها من المكونات الغذائية التي تساهم في شحن قدرة الدماغ على التفكير والوقاية من مختلف الأمراض، النفسية منها والجسدية. لذلك، يجب الحرص على تناول الطفل لوجبات صحية متكاملة. لأن نمو جسده يحتاج لجميع هذه المكونات.
كذلك، لا يهتم الكثير من الأباء بصحة أطفالهم خصوصا المتعلق بالسمع وقوة البصر، حيث يكتشف الأساتذة بالأقسام الدراسية سنويا عددا كبيرا من الأطفال الذين يعانون من ضعف البصر أو ضعف السمع وقد وصلوا لمراحل متقدمة من هذه المشكلة، مما يؤدي بهم لإبلاغ العائلة التي تتخذ الإجراءات المناسبة لمعالجة الأمر. لذلك يجب على العائلة دائما وأبدا مراقبة سمع ونظر أطفالها حتى لا يصلوا لمراحل متقدمة من المشكلة التي يكون معها الحل صعبا وقاسيا.
الأسباب المتعلقة بالعملية التربوية
من بين الأسباب التي تساهم في فقدان الطفل لتركيزه بالفصل الدراسي وبالتالي تشتت انتباهه إلى مجالات أخرى هي طرائق التدريس التقليدية القديمة التي بينت التجارب العلمية التربوية بأنها تدفع الطفل للشعور بالممل وفقدان التركيز. حيث تعتمد هذه الطرائق على التحفيظ والتلقين دون الاعتماد على تنمية مهارة التفكير الإبداعي والنقدي لدى التلميذ بطرائق تثير انتباهه وتجذب عقله و مخيلته إلى الدرس.الأمر الأخر هو عدم تكييف الدروس والمناهج التربوية والتعليمية مع مستويات المتعلمين، حيث نجد داخل نفس المستوى نفسه مثل المستوى السادس نجد فيه فروقات كبيرة بين المتعلمين وإذا أجرينا بحثا أو تقويما تشخيصيا قبل انطلاق الدراسة بداية السنة سنجد بأن التلاميذ مختلفون ومع ذلك نحاول التعامل معهم كأنهم شخص واحد عقل واحد تفكير واحد وجدان واحد وهذا لا يستقيم. فعندما يشعر التلميذ بأنه غير معني بالموضع من خلال عدم فهمه للدرس بسبب صعوبته أو بسبب سهولة الدرس عليه لأنه متفوق يفقد التلميذ تركيزه وقدرته على المتابعة، بسبب غياب الحافز.
مضاعفات غياب التركيز والتشتت الذهني على أداء التلميذ
يؤدي التشتت الذهني وقلة أو انعدام التركيز لدى التلاميذ إلى مشاكل تربوية وتعليمية وسلوكية خطيرة، حيث ينعكس هذا الأمر سلبا على أدائه الدراسي بشكل كبير حيث يصبح تحصيله الدراسي ضعيفا ويدخل ضمن خانة المتعثرين أو خانة "الكسالى" في الوقت الذي يعتقد الأستاذ أو المعلم بأن التلميذ يعاني من صعوبات ذهنية أو وراثية أخرى غير التركيز وهو الأمر غير الصحيح ربما يستعمل معه الأستاذ العنف الجسدي أو العنف اللفظي بجهل مما يؤزم المشكلة النفسية أكثر.غالبية الأطفال الذين يعانون من غياب التركيز والتشتت الذهني يعانون كذلك من قلة التفاعل مع زملائهم الآخرين مما يؤدي بهم للعزلة أكثر فأكثر. وإذا أضفنا للعزلة الاجتماعية الفشل الدراسي الذي يعاني منها المتشتت ذهنيا وغائب التركيز فإننا سنكون أمام شخص فاقد لأني حافزية أو دافع للقيام بأي شيء آخر.
وإذا كانت العائلة غير متعلمة مثلا فستتجه نحو علاجا آخر والمتعلق باستعمال "الرقية الشرعية" مثلا وحتى هذه الطريقة يستعمل فيها بعض الجهلة العنف المادي ضد من يعتقدون بأنهم يعانون من السحر أو من العين أو من الحسد وغيره من الأمراض الأخرى التي نؤمن بها في مجتمعاتنا بعيدا عن طلب الطب المتخصص لعلاج مثل هذه الحالات بطرائق مناسبة وسليمة.
بعض الاقتراحات العملية لمعالجة مشكلة التشتت الذهني عند الأطفال
ما هو دور الأستاذ في زيادة تركيز المتعلمين؟
- تنويع طرائق التدريس:
من بين الوسائل الأكثر فعالية في زيادة تركيز التلاميذ وزيادة دافعيتهم للإقبال على التعلم والتي لجأت إليها الكثير من البلدان العربية التي طورت تعليميها هي تنويع طرائق التدريس والتخلي تدريجيا عن البيداغوجيا القديمة التي كانت تعتمد على التلقين فقط وتهمل شخصية ووجدان وذكاء وتوجهات التلميذ.
أصبح الاعتماد على التكنولوجيات الجديدة في التعليم سببا من أسباب زيادة تفاعل المتعلمين خصوصا وأنهم يعرفون هذه الوسائل ويستعملونها يوميا داخل منازلهم. فالاعتماد على الصور الملونة والفيديوهات التربوية والمخططات المختصرة والخطاطات الذهنية، والاعتماد كذلك على الأنشطة التفاعلية والألعاب التعليمية خصوصا في مادة الرياضيات زاد وبالتجربة من تركيز المتعلمين وقلل من عزلتهم وانعزالهم داخل الفصل الدراسي.
تقليل المدد الزمنية للمكونات الدراسية
من بين الطرائق التي يمكن أن تعالج مشكلة التركيز هي تقليل مدد الحصص الدراسية، بحيث أتبتث الدراسات العلمية بأن الطفل لا يستطيع التركيز أكثر من 30 دقيقا في نشاط واحد. بالإضافة إلى تقليل مدة كل حصة دراسية، من الأفضل كذلك ادراج فواصل زمنية أو فترات قصيرة بين كل نشاط وآخر من أجل منح التلاميذ فرصة للاستراحة واسترجاع قدرتهم على التركيز، ويمكن استغلال هذه الفترات في أنشطة تربوية تعتمد على اللعب مثلا.
- استخدام تقنيات في الإلقاء لجذب انتباه التلميذ.
ما هو دور التلميذ في تحسين تركيزه؟
يجب تشجيع الطفل من طرف والديه على إعداد جدول دراسي بشكل يومي يتضمن حصصه الدراسية وأوقات فراغه وأوقات مراجعته وقيامه بتمارينه المنزلية، بحيث يبتعد الطفل عن العشوائية ويتعلم التركيز واحترام الوقت.يمكن الاعتماد على تقنيات مجربة من أجل رفع مستوى التركيز مثل تقنية بومودورو التي تعتمد على رفع التركيز وذلك بتقسيم العمل إلى فترات مختلفة من أجل زيادة الأداء في العمل، بالإضافة الى تقنيات أخرى كثيرة يمكن البحث عنها من طرف الوالدين بالأنترنيت لتجربة كل تقنية تناسب طفلهم.
الاعتماد على مذكرة يومية صغيرة يتم فيها تدريب الطفل على نقل الأفكار والشروحات والأسئلة التي تدور في ذهنه أثناء الدرس، يمكن العودة لهذه المذكرة من طرف الطفل أو من طرف الأستاذ والعائلة للاطلاع على تقدم التلميذ في يومه الدراسي.
بالإضافة إلى كل ما سبق يجب التحكم في فترات استعمال الأجهزة الإلكترونية أو ما يطلق عليها مجازا ب"قاتلة الوقت" و التي يستعملها الطفل دون الانتباه الى وصول فترات الدراسة أو المراجعة، و يمكن الاعتماد على تطبيقات تقوم بتحديد المدة الزمنية للمشاهدة أو اللعب باللوحة الإلكترونية أو بالهاتف مثلا. حيث يتوقف الهاتف أو اللوحة الإلكترونية عن العمل بعد مرور 30 دقيقة مثلا و تحتاج لكلمة السر من أجل إعادة تفعيل مدة جديدة و هذه الخاصية موجودة مثلا بلوحات Samsung Tab A في تطبيق Samsung kids .
ما هو دور الأسر في مواجهة التشتت الذهني لطفلها؟
يجب توفير بيئة منزلية سليمة ومناسبة لجميع الأطفال وخصوصا لهؤلاء الذين يعانون من التشتت الذهني وذلك بتوفير مكان هادئ داخل المنزل مخصص للدراسة فقط وذلك من أجل قتل الضجيج والضوضاء أثناء الوقت الذي يرغب فيه الطفل بمراجعة دروسه حتى لا يفقد تركيزه ويتوجه إلى مصدر الضوضاء من جديد.تشجيع الطفل على التقليل من تناول السكريات والسكاكر مقابل توفير غذاء متوازن غني بالعناصر التي يحتاجها نمو الطفل مثل الفيتامينات والبروتينات وغيرها وذلك بالإقبال على تناول الخضروات والفواكه الطازجة. دون أن ننسى تدريب الطفل على النمو باكرا والاستيقاظ باكرا بعد حصوله على عدد كاف من ساعات النوم.
يساهم التحدث اليومي مع الطفل عن مشكلاته في المدرسة وعن يومه عامة في تقوية الجانب النفسي والوجداني. حيث تستمع العائلة للطفل عند كلامه دون مقاطعة مما يشجعه على التعبير ومساعدته في حل مشاكله المدرسية بالطرائق التربوية المفيدة. بالإضافة الى تجنب النقد الدائم للطفل في كل فشل وتشجعيه على التعلم وارتكاب الأخطاء.
يمكن كذلك للأسر التي تتوفر لها الإمكانيات المادية استشارة أخصائي تربوية في حالة استمرار المشكلة من أجل وضع خطة علاجية حسب حالة الطفل ربما تستلزم تناول أدوية أو علاجا سلوكيا آخر.