اختلالات الأسئلة الاختبارية وآثارها على التلاميذ
مرحبا بكم في مدونة معلمي،
- إن عدم التوازن بين الأسئلة المقترحة في ما يخص مجالات الاهتمام، والوحدات المنجزة، والأهداف والكفايات المحققة، سواء من حيث أهميتها ضمن المقرر الدراسي، أو من حيث التدرج أو الشمولية، يؤدي بالتلاميذ إلى التقاعس، واختزال التحصيل الدراسي، وترجيح ضربات الحظ عوض إعداد واستيعاب جميع الدروس المنجزة والممتحن فيها، ما يساهم في تناقص الرصيد المعرفي عند التلاميذ، وانخفاض مستوياتهم الدراسية، وعدم تمكنهم من مختلف آليات التفكير والتعامل مع مختلف الوضعيات والإشكالات، التي قد تواجههم تربويا ومدرسيا واجتماعيا وثقافيا ووجدانيا ومهاريا؛
- أما صياغة السؤال الاختباري باستعمال مفردات ومصطلحات غريبة عن التلميذ، ولم يتم استعمالها أو تداولها خلال حصص التلقين، ولا توجد ضمن قاموس التعلم الصفي لدى التلميذ، أو لا علاقة لها بالمقررات الدراسية، من شأنها أن تجر التلميذ أثناء حصة الاختبار إلى متاهات وتشتت أفكاره وعدم القدرة على التركيز، فيلتجئ إلى أجوبة اعتباطية وعشوائية، قد لا تستجيب للمطلوب، وبالتالي قد يفشل في الأداء، ويعتبر غير متمكن من مضامين الدروس الملقنة، ويخضع لحكم خاطئ بعيد عن الواقع المدرسي الحقيقي؛
- وإذا شاب الأسئلة الاختبارية عناصر تشويش من قبيل استعمال أفعال غير سلوكية، أو قابلية التأويل، وتعدد التأويلات، أو عدم ترجمة السؤال الاختباري الأهداف المحققة، فإن ذلك يضع التلميذ في حيرة من أمره أمام أسئلة فضفاضة، وقابلة لأي جواب كان، فتختلجه أفكار متضاربة حول مدى قبول الأستاذ لأي جواب كان، متسائلا عما يقصده المدرس وما يرغب تقييمه، فيتردد كثيرا بين جواب وآخر، ويضيع الزمان فيلتجئ إلى ضربة حظ قد تؤول به إلى الزيغان عن المطلوب فيعتد مع الفاشلين؛
- وعلى العموم، إن عدم توفر جميع الأسئلة الاختبارية على جميع المواصفات والخصائص المفروض توفرها فيها، لتوجيه التلاميذ ووضعهم في الطريق الصحيح للتعامل مع المعلومات المطلوبة دون لبس ولا غموض مرتبطين في كل آن بمرجعية التلقين والمصطلحات المألوفة والوضعيات المعيشة، من شأنه أن يؤدي بالتلميذ أثناء حصة الاختبار إلى حالة من التوتر، والانقباض العصبي، وفقدان زمام التحكم في آليات التعامل والتفكير والإنجاز، وقد ينتابه اضطراب وقلق، فيفقد السيطرة على أعصابه، وقد تستولي عليه حالة من الهستيريا والهيجان والصراخ والتفوه بأي كلام دون شعور منه وأمام الملأ، ما يؤدي بالأستاذ إلى التدخل معتبرا التلميذ خارجا عن اللياقة وأدب الاختبارات، وسوء السلوك وعدم الانضباط وإثارة الشغب وإحداث الفوضى والمس بالسير العادي للاختبارات، كلها تهم قد تزج بالتلميذ في ما لا يحمد عقباه. وعليه فالمدرس يعتقد أن التلميذ تعمد العنف، والتلميذ يشعر بالظلم وأنه ضحية أسئلة اختبارية قد تؤدي به إلى الفشل الدراسي والفصل عن متابعة دراسته. والمدرس يعتقد أن الأسئلة في المتناول وتتوفر فيها جميع الخصائص، والتلميذ يلمس واقعيا وحقيقة صعوبة التعامل مع هذه الأسئلة، فتستتب حالة من التنافر والتجاذب بين الممكن والمستحيل، والحقيقي والخيالي، وكل قد يتشبث بموقفه، والحالة هذه أن التلميذ يعتبر الحلقة الأضعف، فيرمى بشتى النعوت، وتنهال عليه الإجراءات القانونية، فيجد نفسه ضحية رغما عنه.
- فكم تلميذا تلقى صدمة اختبار فمرض وعانى الويلات؛
- وكم تلميذا غادر قاعة الاختبارات تحت وطأة ضغط نفسي حاد، فانفجر بعيدا عن الأعين وتحملت أسرته عواقب هول الصعقة؛
- وكم تلميذا، خلال فروض محروسة أو امتحانات إشهادية، لم يستطع ضبط أعصابه أمام حواجز الاختبار، فصرخ دون شعور منه في وجه الأستاذ، وكان مصيره الطرد من قاعة الاختبار، دون أن يأبه إلى حاله لا واضع الأسئلة الاختبارية، ولا مراقب سير الإنجاز ولا المشرفون على التنظيم والضبط؛
- وكم تلميذا لم يستطع الشروع في الإنجاز، فيقبع في مكانه في هدوء وصمت منذ الدقائق الأولى من انطلاق حصة الاختبار بعد أن اطلع على الأسئلة الاختبارية ولمس الكثير من العوائق التي قد تعترض إنجاز المطلوب: فلاحظ أسئلة اختبارية مقترحة في درس دون آخر، وخصوصا دروس آخر السنة الدراسية التي لم يعرها الأساتذة العناية المطلوبة، وشاهد مصطلحات غريبة غير موجودة في قاموسه المعرفي الذي بلوره وأستاذه، ووضع أصبعه على أسئلة تتجاوز مستواه المعرفي بكثير فشعر العجز أمام المطلوب من خلالها…. فلم يبق له إلا الانسحاب، قبل أن يجرى عليه القانون المنظم للاختبارات، ويجد نفسه ضمن قائمة الغاشين أو غير المنضبطين أو العنيفين، وبالتالي يجد نفسه خارج أسلاك الدراسة دون معرفة أحد الأسباب الحقيقية إلا التلميذ نفسه الذي يشعر بالظلم والمهانة.
بقلم: نهاري امبارك (مفتش للتوجيه متقاعد)