النص السماعي (الفقيه الغزاوني) مكتوب
مجال الحضارة المغربية
الأسبوع الثاني
الفقيه الغزواني
تدفق جموع المصلين خارج باب الجامع الكبير، يلقون بنعالهم إلى أعتاب الباب، و يخرجون في زحمة صامتة...يصافح بعضهم بعضا، و يتحدثون بأصوات خافتة، كأنما لم يبرحوا الجامع بعد، فقد كانت في نفوسهم بقية من جلال الصلاة. لبس أحدهم نعله، و انحاز إلى جانب المسجد، ثم وقف يشاهد الخارجين...ووقف آخر بعدما صافحه، ثم ثالث فرابع حتى صاروا جماعة و هم ينتظرون الفقيه " سي الغزواني" من مصلاه و في يده لبدته و مسبحته.
التفت حوله الجماعة و خاطبوه بشأن أبنائهم الصغار الذين يتولى تعليمهم، و تحفيظهم القرآن، فقال لهم: اطمئنوا فأنا ألقنهم القرآن و آداب الأخلاق، و أحذرهم من لعب الكرة في الشارع و الاعتداء على الغير، و عدم احترام كبارهم، و أعتقد أنهم يسمعون كلامي و يخشون غضبي.
في ظهر اليوم الموعود كان " المسيد" يزدحم بالطلبة من مختلف الأعمار، يجلسون على مقاعد من خشب مستوية على الأرض، و رؤوس الكبار " بأقبابهم" و هم عكوف على ألواحهم. ارتفعت الأصوات تشق ذلك الجو القائظ الذي تزيده حرارة الشمس اشتعالا. دخل الفقيه فاهتز الجميع و ارتج إبكارا للشيخ و إجلال، و علت أصوات الطلبة تملأ الفضاء، مرتلة ما على ألواحها من آيات القرآن الكريم مراجعة و حفظا قبل أن تبدأ عملية استظهار ما تم حفظه، و بدء عملية محو الألواح، و كتابة آيات جديدة.
خرج الطلبة من " المسيد" و احدا و احدا. و قصدوا باب البحر للعوم و اللعب على الشاطئ، و اختاروا واجهات معزولة حتى لا يراهم أحد فيخبر آباءهم بأنهم كانوا هناك، و استمر الأطفال يمرحون على الشاطئ قبل أن يعودوا إلى بيوتهم، استعدادا للعودة إلى " المسيد"....تناولوا ألواحهم و بدأوا يحفظون و يقرؤون و ألفقيه يراقبهم واحدا و احدا، و ينتخب منهم من يقرأ بصوت جهوري، و هو يحصص له القراءة، و نطق الكلمات، ويحثه على الانتباه إلى ما يقرأ، و كان الأطفال يحسون بجدوى عمل الفقيه، فيزيدون احتراما له و امتثالا لأوامره.
أحمد عبد السلام البقالي، قصص من المغرب " رواد المجهول" ص : 16، 7 الدار العالمية، القاهرة.