منهجية المهدي منيار في حصص الدعم:
أنا لا اختلف مع الزملاء في تقييم المنهجية التي يعتمدها هذا الشاب، فهو لم يبدع في شيء، وإنما أعاد إحياء الطريقة التقليدية، التي كانت ولا زالت تُعتمدُ إلى يومنا هذا في الكتاتيب القرآنية، الا أن الكتاتيب القرآنية تدرس القرآن (معرفة ثابتة لا تتغير)، والمدرسة العصرية تدرس (معرفة غير ثابتة، اي قابل للتغيير)، لدى فان التحفيظ لا يناسب النظام التعليمي الحديث، هذا من الجانب النظري.بالنظر إلى ما يقوله المهدي منيار، حول تحقيق المستفيدين من طريقته لنسب مهمة في النجاح، ومعدلات مرتفعة، متجاهلا أن اغلب المستفيدين من حصص الدعم (المدفوعة الاجر) التي يقدمها، لهم رغبة في النجاح، اي توفر شرط الدافعية لتعلم، كما أن فئة المسجلين في معهده، هم نخبة المتفوقين من بين تلاميذ عدة مؤسسات. كما تجاهل انه استاذ دعم فقط، يُتمم عمل اساتذة المادة المؤهلين بأحدث البيداغوجيات. وهذا ما يعتبر سرقة لمجهودات الآخرين. فإنه يمكن تقبل هذه السرقة وتجاوزها -رغم ان اغلب الاساتذة لا يتقبلونها وهي سبب انتقادهم له- لأن الغاية من هذه السرقة هي الدعاية لمعهده، قصد الرفع من المداخيل، فهذا الامر عادي بالنسبة لعالم الاعمال والمال، حيث تغيب القيم والمثل التي يتحلى بها رجال ونساء التربية.
منيار (الأستاذ المعجز):
بالعودة إلى اللقب الذي يُطلق على المهدي منيار، تبرز لنا الأسلوب الدعائي والتسويقي للمنتوج، بغيث جذب أكبر عدد من الزبائن. وهذا الامر يبدو جليا، حتى لمن لم يسبق لهم دراسة الدعاية والتسويق. فالمعجزة لا يمكن ان تطلق إلا على الشخص الذي يقوم بأشياء يعجز العلم عن شرحها، مثلا الاسراء والمعراج، معجزة عند المسلمين، واسطورة عند غير المسلمين، لأن العلم اليوم لا يستطيع تفسيرها، والقيام بتجربة مشابهة لها. أما تحفيظ تلاميذ لهم رغبة في النجاح، فلا علاقة له بالمعجزات.أما إذا أردنا أن نسقط مصطلح المعجزة في مجتمع لا يقرأ على مُدرس ما، فإن الامر يتطلب من هذا المدرس، أن يقوم بشيء لا يستطيع غيره القيام به، وهنا يكون الاستثناء. والاستثناء في التعليم هي: أن تجعل من تلميذ لا يجيد أبسط العمليات العلمية للرياضيات والفيزياء و...، تلميذا متفوقا في المواد العلمية. وليس القيام بتحفيظ التلاميذ على طريقة المسيد والكتاتيب القرآنية، باستعمال أسلوب القراءة الجماعية.
أيها الأساتذة رأفة بالمهدي منيار:
إن ما يقوم به المهدي منيار، ليس دور لمدرس مادة مؤهل، إنما هو دور أستاذ دعم غير مؤهل. والفرق بين أستاذ مادة مؤهل واستاذ دعم غير مؤهل، هو أن الأول من المفروض عليه الالتزام بالقواعد العلمية والتربوية للتدريس، وفق طبيعة المادة المُدرسة، في حين أن الثاني يقوم بدور تكميلي، عبر دعم التلميذ في جوانب النقص. والتلميذ المغربي يعاني من مشكل عدم مراجعة الدروس في المنزل، في المقابل ان المنهاج الدراسي المغربي لا زال يعتمد على شحن المتعلم بكم كبير من المعارف غير الثابتة، خاصة في العلوم الإنسانية (تاريخ، جغرافيا، فلسفة، تربية اسلامية ...). هذا الامر يجعل من مسألة الحفظ ضرورة حتمية.ومع أوضاع اقتصادية متردية، وتراجعات كبرى في مجال حقوق الانسان، والعدالة، تعيش الشغيلة المغربية أوضاع مزرية، بفعل تدني الأجور، وارتفاع المعيشة، مما يدفعها إلى العمل ساعات إضافية، لتغطية مصاريف الاسرة. هذا الامر يجعل الوالدين يتخليان عن دورهما الاسري، والمتمثل في تتبع دراسة أبنائهم، والمراجعة معهم، خاصة في ظل المناهج الدراسية الحالية، التي ترتكز على الحفظ، عكس ما تدعيه الوزارة. مما فتح المجال أمام المهدي منيار وغيره، للقيام بهذا الجزء من دور الوالدين، وهو المراجعة مع الأبناء (التلاميذ). الامر الذي يفسر هيمنة أبناء الطبقة المتوسطة على فئة المسجلين في حصص الدعم في معهد المهدي منيار.
لهذا لا يمكن تقويم عمل المهدي منيار بنفس معايير تقويم الأستاذ المؤهل.
ما الأخطاء التي وقع فيه المهدي لتغلق وزارة التربية الوطنية معهد منيار وفروعه:
يبدو أن الشريط الذي ظهر فيه المهدي منيار يقدم 4 ملايين سنتيم (40 ألف درهم مغربي/حوالي أربع ألاف دولار أمريكي) لتلميذ استظهر عليه فقرات من دروس في مادتي التاريخ والجغرافيا لتحفيزه وتحفيز زملائه (والدعاية لمعهده بلغة أخرى)، قد أفاضت الكأس. ولم تعد وزارة التربية الوطنية، قادر على المزيد من الصمت، أمام استفزازات المهدي منيار التي كانت تتابعه منذ مدة طويل، وهو يعمل بدون رخصة. دون أن تتخذ أي قرار في شأنه لمدة تجاوزت سنتين، ويمكن ان نلخص أخطأ المهدي منيار في:
- أنه شاب يقدم نفسه بشكل أعلامي جيد، على أنه شاب ناجح، هذا الأمر الذي ترفضه الحكومة والوزارة، ولا يتماشى مع سياستها الرامية إلى محاربة نجاح الشباب. فالحرب على الشباب تتجلى في دفعهم إلى اليأس والهجرة السرية أو الانتحار، وذلك بتقليص فرص الشغل، وغض الطرف عن تجارة المخدرات وحبوب الهلوسة، .... ولا تفتح فرص الترقي إلا في وجه أبناء المحظوظين من خدام الدولة، الذين يفوزون بالمناصب العليا -ولكم في ابن الحبيب المالكي وغير عبرة-، كما تدعم الدولة مقاولات الشباب أبناء النخب من الميزانيات العمومية، إضافة إلى أن منيار ليس فنان من (الفنانين) أصحاب الفن المتسخ الذين يقودون المجتمع نحو الانحلال الخلقي، وفقدان المجتمع لقيمه.
- ان المهدي منيار يقدم نفسه على أنه أستاذ ناجح، هذه الصورة (أستاذ ناجح) لا تستسيغها وزارة التربية الوطنية، أنها تحرص على تدمير صورة المدرس المغربي، وتريد تكريس صورة الموظف الكسول بأطر التربية والتعليم، قصد تدمير التعليم، والأجيال الصاعدة،
- الاشتغال مع أبناء الطبقة المتوسطة، هذه الطبقة التي لازالت الحكومة تمارس عليها أبشع سياسات التفقير، لتقليص من أعدادها، نظرا لكون بعض أبناءها أصبحوا ينافسون بكفاءتهم أبناء النخبة على المناصب العليا، التي لا تزال حكرا على فئة معينة منذ الاستعمار إلى اليوم.
- أنه عرى واقع المنهاج الدراسي الذي يعتمد على التلقين والحفظ، والذي تغلفه الوزارة بتوجيهات ومذكرات، تغليطية، للتمويه عن واقع مناهجها، والادعاء انها تعتمد منهاجا حديثا، ما يجعل الاساتذة غير قادرين على التوفيق بين المذكرات والتوجيهات التربوية من جهة، والمقررات الدراسية وأسلوب التقويم المعتمد من جهة ثانية، هذا ما يفتح المجال للوزارة، لابتزاز الأساتذة واتهامهم بإفشال برامج إصلاح التعليم المزعومة.
- النقطة التي أفاضت الكأس، هي تحفيز يافع (تلميذ) من أبناء الفقراء بمبلغ مالي كبير. هذا الامر الذي لا يمكن أن تقبل به حكومة همها الأول هو إرضاء اللوبيات، وكسر شوكة المواطنين البسطاء، وتسعى إلى بث اليأس في شرايينهم، حتى لا يتجروا على رفع رؤوسهم للمطالبة بحقوقهم الكونية.
هذه الأمور جعلت الوزارة تستيقظ من غفوتها بضغط من لوبي التعليم الخصوصي، لمنع معهد منيار غير المرخص. وبالتالي جعل الفرصة مواتية، لأولئك الذين يقتاتون من الفاسد داخل الوزارة، عبر منح رخص لمعاهد لا تتوفر فيها شروط دفتر التحملات، الذي تفرضه وزارة التربية الوطنية. أليس من حق هؤلاء المفسدين تلك الملايين مقابل غضهم الطرف على أي خروقات قانونية؟ هذا التحالف بين الفساد والمال الذي جدده مشكل المهدي منيار، أصبح ظاهرا في أسمى تجلياته.
الوزارة أخطأت البوصلة والمستهدف ليس هو منيار:
الواضح من القراءة المتعمقة للأحداث، أن معهد منيار أو المهدي منيار ليس هو المستهدف من طرف وزارة التربية الوطنية، لأن هذا الشاب يمكنه أن يندمج مع منظومة التحالف بين المال والفساد، بشرط، أن يفهم الرسالة التي وجهت له من خلال اغلاق معهده، وان يلتزم بقواعد اللعبة التي خطها تحالف المال والفساد، ليصبح جزء من هذه المنظومة، وما يؤهله لنجاح في هذه المهمة، هو أنه يعتمد بيداغوجية تقليدية قديمة -يمكن ان نطلق عليها بيداغوجيا المسيد-، بل إن المستهدف هنا، هو التعليم المغربي والأستاذ والأجيال القادمة.
مسيرة وزارة في الانتقال من الجهل المقدس إلى الجهل المؤسس،
ذ. حمودة الرفاعي