" راه خويا مغديش يجي ليوما أوستاذ..
شكون خوك؟؟
عبد الله القوري
معرفتوش معقلتش على صورتو.
مهم راه حالتو خطيرة.. دابا فالصبيطار فمراكش"
كان هذا جانبا من الحديث الذي دار بيني وبين" س.ع " أخت عبد الله القوري، مباشرة بعد أن وقعت محضر الالتحاق بمقر عملي الجديد في إطار تكليف، والغريب أنني لم أستطع تذكر المعني بالأمر لحظتها. ففي الحقيقة، يصعب استيعاب ملامح الجميع في ظرف يومين سيما وأن عددهم فاق 36.
عبد الله القوري تلميذ في ربيعه التاسع مسجل بالمستوى الثالث ابتدائي، وقد حكم عليه القدر بوضع حد لا لدراسته فحسب ولكن لحياته كلها.
كان ذلك عشية يوم الخميس 24 أكتوبر ، عندما غادر المرحوم حجرة الدرس بعد نهاية الحصة، وهو جار للمدرسة إذ لايفصل بينها وبين مقر سكناه سوى مترين على أبعد تقدير، ولما تناول لمجة المساء قصد رفقة أصدقائه مكان لعبهم غير بعيد عن الدوار كما جرت العادة. طريق غير معبدة بجانبها مجاري المياه " القوادس" من الإسمنت الحديدي الضخمة وضعت هناك تنتظر دورها لتركب في مكانها الصحيح تنفيذا للأشغال العمومية التي يشهدها الطريق المذكور.
انهمك الأطفال في اللعب، وكان المرحوم قد صعد على إحدى تلك المجاري في الوقت الذي كان رفقاؤه بداخل أخرى يستمتعون بها وهي تدور بهم وسط الطريق. حينها لم يدرك عبد الله جسامة الخطر المحدق به، فقد انقلب عليه " القادوس " الذي كان قد صعده فأغمي عليه أثناءها فيما لاذ رفقاؤه بالفرار خوفا من تحمل المسؤولية مما اضطر معه أحد الشبان الذي مر بعين المكان إلى حمل الطفل على ظهره وإيصاله لأهل بيته ومن هناك مباشرة إلى المستشفى بمراكش.
أصبح وضع الطفل حرجا بعد ما أكدت الفحوصات الطبية إصابته البليغة جراء ثقل القادوس الذي تسبب في إتلاف معدته وأمعائه، مما يقتضي إجراء عملية آنية قد لاتكلل بالنجاح، وقد رجع الطفل إلى وعيه بعد ما أغمي عليه لفترة وتحدث مع والده الذي كان بجانبه وتحمل القدر بمفرده من غير معين، ورغم أن الأمر بيد الخالق يضع لكل بداية نهاية، فإن المخلوق لم يبذل ما بوسعه من الأسباب أملا في النتيجة. فقد أهمل الطاقم الطبي الضحية لكونه معوزا ليس إلا والحقيقة أن الحياة أمانة وجب إنقادها مهما يكن صاحبها بيد أن واقعنا المرير يشهد بعكس ذلك ليحكم على طفل بالعودة إلى الدوار محمولا على الأكثاف بعد ما كان يعود إليه مشيا على الأقدام...
عاد الأب إلى الدوار بعد ما اكتوى بنار فراق فلذة كبده، ليوارى جثمان الطفل إلى مثواه الأخير ويفتح معه باب من الأسئلة حول من يتحمل المسؤولية فيما حدث.
ما مدى حضور الشركة المكلفة بالأشغال العمومية بعين المكان في النازلة؟؟ ألم تكن ملزمة بوضع حراسة هناك تفاديا لما وقع؟؟
ما مدى مسؤولية الأطفال الذين رافقوا الضحية حينها؟؟ ألم يكن أحدهم قد تسبب في الحادث المؤلم؟؟ أسئلة وأخرى حاول أهل الضحية الكشف عنها من خلال شكاية في الموضوع تقدموا بها لدى الدرك الملكي بالمنطقة يتهمون فيها 7 من رفقاء الضحية قبل أن يستقر الرأي على 4 منهم كانوا بصحبته إبان وقوع المأساة، ومفادها أن الأضناء هم من قاموا بوضع " القادوس" على الطفل فلاذوا بالفرار على حد تعبير أصحاب الشكاية. وأمام هذه النازلة تحرك رجال الدرك لإجراء بحث في الموضوع بأمر من النيابة العامة فعاينوا مكان الحادث وخلصوا إلى كون " القادوس" وهو من الإسمنت الحديدي يستحيل تحريكه من طرف الأطفال، إذ لا يتم ذلك عادة إلا بواسطة الجرافة الخاصة به، فبالأحرى حمله ووضعه على الطفل، مما يفند أقوال المشتكين. والحقيقة أن الأسرة اكتوت بنار الفراق وتحمل الوالد العجوز قسطا كبيرا من المعاناة في فترة تواجد الضحية بالمستشفى من دون أن يكلف أهل القرية أنفسهم بالسؤال عن حاله. اللهم إن هذا منكر، فكان من الطبيعي إذن أن تتم الشكوى وأن تتضمن ما لا يخطر على البال من الأقوال علها تضمد الجراح.
وقد حاول سكان القرية و معهم ممثل الشركة السالفة الذكر أمام هذا الأمر، تهدئة الوضع من خلال مطالبة والد الضحية بالتنازل عن الشكاية التي تقدم بها مستغلين لحظة العزاء للحديث في الموضوع والتي كنت شاهدا رفقة إمام المسجد على أطوارها، ولم نخف من جانبنا الأسف على ما حدث محاولين إقناع الوالد بالتنازل عن الشكاية في الموضوع مبررين ذلك بتحصيل حاصل وأن الحادث كان بالإمكان أن يقع ضحيته أحدهم غير أن القدر اختار عبد الله فلله ما أعطى وله ما أخذ.
رحل الفقيد فودعناه بالدعاء والرحمة فترك لوحه بمسيد الدوار يشهد له بحفظ جزء من كتاب الله كما ترك مكانه شاغرا بين زملائه في صف الدراسة بعد أن حتم عليه الأجل ذلك، ولازال فتيل القضية لم يخمد بعد، والجدير بالذكر أن الحادث كان له وقع بارز على كل العائلة خاصة على الوالد الذي عانى الأمرين: هول الصدمة لازال باديا على محياه وجسم أنهكه المرض فأرغمه على لزوم البيت قلما يغادرها، فغالبا ما يجلس بباب المنزل تحت أشعة الشمس ممسكا بسيجارته الخبيثة " كازا " التي لا تفارقه.
لم تكن اللحظة التي أجده بالمكان لتذهب سدى، فكنت أقصده لا لتقاسم السجارة معه لأنني لا أدخن، ولكن للسؤال عن حاله وجذب أطراف الحديث معه ومحاولة التهدئة من روعه.
وعملا بالقول القائل " للصبر حدود " فلم يكن الشيخ ليصمد أكثر وكأن ابنه يدعوه لمجاوته في دار البقاء، فلم يمض سوى أربعة أشهر من هول الفاجعة حتى وافاه الأجل. وأقسم لكم بالله أنني تنبأت لوفاته بثلاثة أيام أو أقل بعد ما لاحظت تدهور حالته الصحية وخاصة الانتفاخ الذي لاح على رجليه.
كان ذلك صبيحة السبت لما هممت بالخروج إلى العمل، سمعت باب البيت يطرق ففهمت الموضوع قبل أن أفتح الباب لأجد " مصطفى" نجل المرحوم يطلب مني الحضور لأتكفل بغسل جثمان والده رفقة شيخين من أهل القرية لأن إمام المسجد وقتها كان خارج الدوار في إطار مهمة، وقد استجبت حينها للأمر رغم أنني لم أقم بغسل جثمان أحد من قبل.
أن تقف أمام الميت أمر صعب، فبالأحرى أن تتكفل بغسله ليس لقلة درايتي وعلمي بالموضوع. ولكن لصعوبة الأمر... ..موقف لا أحسد عليه بكل صراحة ، إلأ أنني استجمعت كل قواي إيمانا مني بالواجب من جهة، واستحضارا للقول القائل " المعلم فالدوار بحال جوكير فيما حطيتيه يخدم...."
انتهى موضوع الشيخ بعد أن تم دفنه صبيحتها وبقيت الأسرة تحكي فراق الوالد والولد في ظروف أشبه إلى حد كبير بقالب درامي يروي مرارة وقسوة الزمن على البعض دون الآخر.
رب أسألك أن تتغمد هؤلاء بواسع رحمتك في هذا الشهر الكريم وغيرها من أمة نبيك المصطفى ورسولك المرتضى وأن تأجر كلا في مصيبته. إنك ولي ذلك والقادر عليه.