الأساتذة الجدد..وصراع البقاء دون أجرة
بعد إنتهاء عملية الترقب الحذر من طرف الأساتذة لأمكنة التعيين، وبعد توقف عملية القصف نحو الجبال والمداشر والوديان..تبدأ صدمة الجغرافيا التي تصدم الأساتذة الجدد الحالمين بالحصول على تعيين يوفر بعض متطلبات العيش، كالكهرباء والماء والسكن..وتغطية شبكة الهاتف النقال ( والتي لا تتتوفر في مناطق شاسعة بالمغرب رغم كونها مأهولة بالسكان وهذا موضوع اخر).
بعد كل هذا تنطلق مرحلة اصعب، وهي مرحلة كتم الأنفاس وشد الأحجار على البطون، مرحلة تبدأ بالأنفة والعزة والكرامة، لتنتهي بمد اليد للأخر طلبا للعون ، لا لشيء إلا لأن الحكومة تصر على تمريغ أنوف الأساتذة الجدد في تراب القرى والمداشر والوديان، كأنها تريد إظهار جبروتها وقمعها لك منذ البداية..وتزيد من ترسيخ الأفكار النمطية حول الأستاذ في القرى ومختلف مناطق المغرب..أستاذ فقير شاحب اللون.. يقطع الكيلومترات على قدميه، ليس لأنه مقتصد، بل لأنه ضحية إقتصاد سوق لا يرحم.ترسله الوزارة حاملا بطاقة التعيين، بعيدا عن عائلته، فارغ الجيب، تحت صدمة الواقع الجديد، يبدأ في الإقتراض ودق الأبواب، تمر الأشهر والأشهر.. دون ان تكثرت الحكومة لمعاناة الأساتذة الجدد، الذين تنقطع اخبارهم عن الأصحاب والأحباب و الذين يبحثون عن استرجاع اموالهم و طال إنتظارهم..
كيف لعاقل أن يتصور أو ان يقبل أي مبرر لعدم صرف رواتب الأساتذة منذ الشهر الموالي لتعيينهم؟ ماذا يدور في خلد بن كيران وجماعته حول مصدر عيش هؤلاء، حول تنقلهم، وسكنهم، حول حاجياتهم اليومية؟ ألا يجب أن يطرح عليهم السؤال المشهور : من أين لك هذا؟ كيف تسوى جميع الأمور الإدارية المتعلقة بالتعيين ومقر العمل، وتدبير الفائض وتوزيع الكتب المدرسية ...ويحرم الأستاذ من قوت يومه؟ ألا يجب أن يُسأل كل من الجزار و "الخطاف" والمكري و البقال والخضار بكم يدينون للأستاذ؟
تُجمع أموال حوالي 8.000 من الأساتذة الجدد كل سنة وهي أموال ضخمة .. لا يُفرج عنها إلا بعد حوالي سنة من العمل..هي إذن أموال ضخمة تُستغل للحصول على فوائد إضافية لصالح الدولة، عن طريق إيداعها في البنوك أو عقد الصفقات بها، ما دامت لا تصل لأصحابها... لكن لماذا يحصل الوزير على أجرته الضخمة السمينة بمجرد ولوجه مقر الوزارة، لماذا ينتزع البرلماني نصيبة غير منقوص منذ اليوم الأول؟ لماذا يحصل الشرطي والدركي على أجرته بمجرد ولوجه معهد التكوين؟؟
فحين الإفراج عن هذه المستحقات " الرابيل" يكون الأستاذ قد أنهك كل معارفه بالإقتراض، وإنفض الجمع من حوله، وتكاثرت أقاويل أهل المكان، وإنحطت صورته في المحيط..وبما ان الحقوق في المغرب لا تنتزع إلا بالصراخ والإحتجاج وبإسماع الأصوات فأدعو الأساتذة الجدد الى عدم قبول مثل هذه السياسات البائدة و التي تهدف الى الحط من صورة الأستاذ وتجويعه منذ اليوم الأول..تحت ذريعة تعقد مساطير تسوية الوضعية المالية!!
هشام إبعقيلن
مدونة معلمي
مدونة معلمي